معرفة الله بين تبيان القرآن وأغاليط “أصول الدين”

معرفة الله بين تبيان القرآن وأغاليط “أصول الدين”

فالمعرفة الجملية لدى البشر قائمة, ومترسخة في ذهنيتهم, بما فطرهم الله، بما فطر نفوسهم عليه، وبواسطة رسله المتعاقبين جيلاً بعد جيل، وكتبه التي أنزلها إليهم، فلم يغب ذكره عن ذهن البشرية, ولا عن مسامعها، فهو {الظَّاهِرُ}.

يجب أن نلغي أن نلغي تماماً استخدام عبارات المتكلمين: [الغائب..الغائب.. قياساً للغائب على الشاهد, قياساً للغائب على الشاهد]، وأشياء من هذه.

وأول ما يرسخون في نفسيتك: أنك تقوم تبحث عن من هو الذي أسدى إليّ هذه النعمة، نُدوِّر هنا وهنا.. نجد أن هذه النعم لها محدث، إذاً لها محدث. تمام اتفقنا.. مَن هو؟. بقي الإشكال مَن هو؟. لم يستطيعوا أن يجيبوا عليه..من هو؟ لأن غاية ما يمكن أن تحصل عليه من خلال تلك المقدمات هو ماذا؟: أن لها صانع. لا بأس لها صانع، لكن مَن هو؟ وأي دليل نظري ترتبه على هذا النحو يمكن أن يوصلك إلى الله؟ لا تجد.

لا يوصلك إلى الله إلا فطرتك، وإلا أنبياؤه وكتبه؛ ولهذا نجد: [وهو الله] هم بيقولوا هكذا: [فدل على أن لها محدث… وهو الله تعالى]!! هذه القفزة.. القفزة هذه ليست نتيجة منطقية لترتيب المقدمات هذه أبداً، نتيجةٌ منطقية هو أن لها محدث, لكن قولك: [وهو الله] من أين أتيت بها؟ إنما من خلال أنبيائه, من خلال كتبه، من خلال ما فطر النفوس عليه؛ لأن [وهو الله] هو يأتي بعد سؤال: إذاً فمن هو هذا المحدث؟ من هو؟ رتب لي مقدمات توصلني إلى أنه هو الله، الله.

[طَيْبْ] الله: هو اسم للذات المقدسة, عَلَم للذات المقدسة، الله سبحانه وتعالى, وهو الأساس لبقية أسمائه, تأتي بقية أسمائه في مقام الثناء بعد أن يكون الأساس الذي تضاف إليه وتستند عليه هو اسمه سبحانه وتعالى: الله.

فأي متكلم يستطيع أن يوصل بتسلسل استدلالاته المنطقية إلى الإجابة على من هو؟ ثم ليقول لي: هو الله.

الله إنما أتى من خلال الفطرة التي فطر النفوس عليها، ومن خلال أنبيائه ورسله، وليس عندما تقرأ في [العقد الثمين] أو تقرأ في [الأساس] أو تقرأ في كتب أخرى من هذه كتب المتكلمين المصبوغة بأساليب المعتزلة وعباراتهم فيقول لك: وهو الله.. وهو الله.. وهو الله.. الخ.

هو الله، لكن ليس على هذا الاستدلال الذي ذكرته، هذا الاستدلال يجعل الله بحاجة إلى أبسط مخلوقاته في أن يدل عليه، ونحن – كما قلنا سابقاً – لم نجد في القرآن الكريم آية واحدة بعد أن يذكر الله كثيراً من مظاهر خلقه, ومفردات هذا الكون فيقول: [أليس ذلك دليل على أني حي، أو على أني قادر]؟. أبداً يقول لك: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة:40) أي أليس مَن صنع هذا بقادر على أن يصنع هذا؟.

لاحظوا حتى في [سورة الحج] لم يفْرُق بين الموضوع إلا حرف واحد هو حرف [الباء]: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الحج:6) بعد أن ذكر في بيان الأدلة التي تقمع كل ذلك الريب الذي لدى المشركين في ما يتعلق بالبعث {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}، لم يقل: ذلك أن الله هو الحق؛ فتوهم العبارة: أنه استدل على أنه حق بهذه الأشياء، فهي دلت على أنه حق. ذلك بسبب أنه هو الحق، بسبب أنه هو الحق كانت على هذا النحو. {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، أي ولأنه يحيى الموتى، ولأنه على كل شيء قدير.

في آخر سورة [القيامة] قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة: 36-40) هل تستطيع أن تقول: أن ذلك هو إشارة إلى الله؟.. لا.. أليس هذا دليل على أن من قدر عليه هو قادر على أن يحيى الموتى، فيوجه الاستدلال إلى الفعل وليس إلى الدلالة عليه هو، من قدر على هذا قادرٌ على هذا، من صنع هذا قادر على صنع هذا, وهكذا تأتي.

تجد أيضاً في [سورة هل أتاك حديث الغاشية] بنفس الأسلوب؛ بحيث لو لم تحمله على نفس الطريقة ستقول الاستدلال هذا غير منطقي. عندما قال – وهو يبين قدرته سبحانه وتعالى على البعث – : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}(الغاشية:1) القيامة.. إلى أن قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}(الغاشية:17- 19) في مقام ماذا؟ في الاستدلال على أن هناك بعث، لا بد من بعث.

ما العلاقة بين الجمل والجبل والسماء منطقياً – كترتيب مقدمات منطقية – وبين البعث؟ ما العلاقة بين قامة الجمل وارتفاعه وطول قوائمه وبين البعث؟. هل هناك علاقة؟ إلا من هذا القبيل: أن من قدر على هذا, وظهر في هذا حكمته وقدرته على كل شيء، هو قادر على هذا الشيء الآخر؛ فلهذا كان الجمل دليلاً على البعث, من حيث أن من قدر على صنع هذا الجمل, وعلى خلق هذا الجبل, وعلى رفع هذه السماء بما فيها من وضوح على أنه هناك قدرة لا حد لها، لا يعجزها شيء.. إذاً فالبعث ممكن, فهو قادر على أن يحيي الموتى، قادر على أن يبعث الناس من جديد.

ترسخ هذا الأسلوب حتى لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منه، ونحن نتحدث، ونحن نَعِظ، ونحن نرشد، نقول: [فدل على أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، دل على أن الله كذا، ودل على أن الله..]، ونحن نستخدم هذه؟ ترسخت فينا بشكل رهيب، لكن هي خلاف أسلوب القرآن الكريم الذي يوجه نظرك إلى المقارنة بين الأفعال: ما في هذا من مظاهر يدل على أن من قدر عليه قادر على كذا, لا يأتي على هذا النحو: فدل على أنه قادر، فدل على أنه حكيم.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

سلسلة معرفة الله (12 – 15)

معرفة الله عظمة لله¬ الدرس (6)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 23/1/2002م

اليمن – صعدة