ولادتُه ونشأتُه:
وُلِدَ الشهيد طه المداني في مدينة ميدي الحدودية على ساحل البحر الأحمر سنة 1979م، حيث كان والدُه السَّـيِّدُ العلّامة حسن بن إسماعيل يسكُنُ ويشغَلُ منصبَ عامل قضاء ميدي، كان قضاءُ ميدي حينذاك رابعَ الأقضية التي تتكوّن منها محافظة حجّة.
والتحق بمدرسة الثورة، فدرس الصفين الأَوّل والثاني قبل أن ينتقلَ مع والدُه وأسرته إلى مدينة صعدةَ؛ ليُكمِلَ دراستَه الابتدائية والإعدادية في مدارس صعدةَ بالتزامُن مع مشاركته الفاعلة في الدورات الصيفية في منتدى الشباب المؤمن.
تخرّج من الثانوية العامة من مدرسة عبدالناصر في صنعاء، ثم التحق بجامعة صنعاء كلية الشريعة والقانون حتى عام 2003م، حيثُ كان في اختبارات السنة الرابعة من الدراسة.
صفاتُه وخصالُه:
كان خلالَ الفترة المبكرة من شبابه وفي سن الخامسة عشرة وما تلاها معروفاً بصفات أبرزها العِصامية والاتكال على النفس، حيث كان يحرِصُ على أن يقومَ بكل شيء بنفسه والشجاعة في القول والفعل.
وقد أجاد في هذه الفترة مهاراتِ السباحة والرماية وقيادة السيارة بمهارة، وكذلك أعمال الزراعة وتربية النحل والحراسة في الليل والمرابطة في الجبال المقفرة مع النحل، حيث يتنقل بها في الجبال بهمة عالية وشجاعة منقطعة النظير في من هُم في مثل سِنّه.
عُرف منذ ذلك الوقت بحِسٍّ أمني وسرية في تحَـرُّكاته وحذر ملحوظ، وكانت لديه مهاراتٌ فطرية في التحليل والتحقيق والقيادة وَمَيْلٌ إلى تقديم المساعدة للآخرين بكُلِّ نُبلٍ ومروءة.
انطلاقتُه:
عند انطلاق المسيرة القرآنية على يد الشَّـهِيْد القائد السَّـيِّد حسين بدرالدين الحوثي رضوانُ الله عليه في شهر رمضان سنة 1422هـ، الموافق 12/12/2002م انطلق الشَّـهِيْدُ للعمل في التوعية والتثقيف لنشر الملازم، وكان من أوائل المتحَـرّكين في مدينة صعدة.
كان له دورٌ رياديٌّ في إطْلَاق الهِتاف في شهر ذي الحجة 1423هـ الموافق 3/2003م، في جامع الهادي في صعدة، حيث كانت المرحلة تشهَدُ انتشاراً واسعاً للشعار نتيجة ظهور مصاديق الثقافة القرآنية على الواقع، فقد تزامن ذلك مع غزو أمريكا للعراق الذي حذّر منه الشَّـهِيْدُ القائد قبل حصوله بعام ونصف وتحرّك لمواجهته، وكان رئيسُ الجمهورية في حينه حاضراً في جامع الهادي وهو في طريق سفره إلى السعودية وقد نجا الشَّـهِيْد من الاعتقال ليُكمِلَ دورَه في هذا السبيل.
تحَـرَّكَ الشَّـهِيْدُ بعد ذلك للعمل الجاد ونشر الملازم وتوعية الشباب بضرورة الشعار كتحَـرُّكٍ عملي وموقف في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وكان قد تحَـرّك مع مؤمنين آخرين لإطْلَاق الشعار في الجامع الكبير في صنعاء وفي عدة جُمَع وتعرض لاعتداءات من قبل عصابات كان منوطاً بها الاعتداء على المكبرين وجُرح في إحداها في رقبته ونجا من الاعتقال عدة مرات.
الاعتقالُ والسجن:
في شهر جمادى الثانية سنة 1424هـ الموافق 8/2003م تقريباً وأثناء اختباراته النهائية في السنة الرابعة في كلية الشريعة والقانون ورغم الاختبارات كان يحرصُ على الهتاف في الجامع الكبير بالشعار، وكانت حملاتُ الاعتقالات على أَشُدِّها بدون أية معاييرَ أو قيم أو مبرر قانوني.. اعتقل الشَّـهِيْد في ذلك التأريخ، وأودع سجنَ الأمن السياسي في صنعاء ثم تم ترحيلُه إلى سجن الآمن السياسي بصعدةَ، حيث ظل معتقلاً لمدة ثلاث سنوات ولم يخرُجْ من السجن إلّا بعد الحرب الثالثة بعد توصل الوساطة إلى موافقة السلطة لإطْلَاق المكبّرين فاُطلق سراحه مع زملائه في نهاية عام 2006م.
وحينها كانت حالتُه الصحية قد تدهورت جراءَ السجن.
وخلالَ فترة السجن كان للشهيد دورٌ مهمٌّ في تقديم المساعدة لزملائه من خلال إدارتهم وتدبير شؤونهم والمحافظة على معنوياتهم، وكان بالنسبة إلى زُملائه بمثابة الأخ الأكبر بعدَ ما أبداه من إيثار واهتمامٍ بهم.
وقد أدّى بروزُ شخصيته في السجن بصعدةَ ومواقفه إلى أن قرّرت السلطة نقلَه إلى سجن قحزة قبل خروجه بفترة وجيزة.
الزواجُ والحربُ الرابعة:
تزوّج الشَّـهِيْدُ بعد خروجه من السجن لتتفجَّرَ الأوضاعُ بشن السلطة الحرب الرابعة في 26/1/2007م وكان للشهيد دورٌ بارزٌ في صمود المجاهدين في الطلح وآل مزروع حتى جُرح، ولم ينتظر حتى تلتئم جراحه بل عاد إلى الميدان مشاركاً في قيادةِ صمود المجاهدين في آل الصيفي، وحين تجلت حكمته في إدارة الحرب أوكل إليه السَّـيِّدُ عبدالملك الحوثي مهمةَ تحرير ضحيان، فقدّم مواقفَ بطولية ًفي إدارة حرب المُدُن وبرزت عسكريتُهُ العبقرية الفذة في تلك الحرب ولم تنتهِ الحرب الرابعة حتى كان قد جُرح مرة أخرى جراحاً بليغة.
ما بين كُلّ حرب وأخرى كان الشَّـهِيْد يضطلعُ بمهام جسام، كان السَّـيِّد القائد يوكلها إليه؛ لما عُرف به من حكمة وحنكة سياسية وثقافة واسعة، فكان سفير السَّـيِّد في إدارة المِلَفَّات مع التيارات الأخرى مثل بعض العلماء والأحزاب السياسية والمشايخ، فكان يقدم النموذج في إدارة تلك الملفات بنجاح مبهر.
وحين نكثت السلطة ببنود الوساطة القطرية وشنت الحرب الخامسة في 8/5/2008م كانت مهمة الشَّـهِيْد تتمثل في صَدِّ هجوم الدبابات والمجنزرات عن مدينة ضحيان وقرى الصعيد، فشكّل الشَّـهِيْد جبهةً من الثبات والصمود وصنَعَ عقبةً كأداء في منطقة مفتوحة كصحراء هي منطقة آل حميدان، وانجز مع رفاقه المجاهدين ما عُرف لاحقاً بمقبرة الدبابات.
حين توقفت الحرب الخامسة في 17/7/2008م كان أمامه مهامٌ لإنجازها في رِكاب السَّـيِّد القائد، من أبرزها إدارة الفعاليات التي انطلقت مثل المولد النبوي الأَوّل ذلك العام وَالاسهام في إدارة المناطق التي أصبحت محررةً من بطش عساكر النظام.
وحين شنت السلطة الحربَ السادسة في 20 شعبان 1430هـ الموافق 10/8/2009م كانت مهمةُ الدفاع عن الصعيد بشكل عام هي مهمة الشَّـهِيْد، فقد أدار معركة المقاش في مواجهة زحوفات مجنزرات الفرقة ومَا يُعرف بالبشمرقة على مدى ستة أشهر من الحرب السادسة انتهت نصرٍ مؤزر.
أبرزُ المهام التي أوكلت إليه:
عقبَ انتهاء الحرب السادسة أوكل السَّـيِّدُ القائدُ إلى الشَّـهِيْد تأسيَس الدائرة الأمنية وإدارتها بشكل مستقل عن الجانب العسكري والجهادي، فشكّل الشَّـهِيْدُ ما عُرف حينها بقسم الأمن الداخلي.
بعد ذلك عُرفت محافظة صعدة بأنها أكثرُ محافظات اليمن أمناً، وتناقَلَ المواطنون في كُلّ مكان أن صعدة محافظة لا يُسرَق عليك فيها شيء مهما بلغ ثمنه، وأن التلفون إذا فُقد هناك فستجد مَن يعيد إليك ولو بعد حين، وتناقل الناس أخبارَ ترك السيارات مفتوحة في كُلّ مكان في محافظة صعدة بكل أمان وأخبار دوريات الأمنيين بالدرجات النارية التي تقدّم المساعدة للمسافرين عند اللزوم في الليالي المظلمة ولو في بطون الأودية وقمم الجبال.
شهدت صعدة توافداً من كُلّ أنجاء الجمهورية اليمنية بعد انتهاء الحرب السادسة على مدار سنوات (2010 – 2011 – 2012) وبالأخص عقبَ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011م، حيث أصبحت صعدةُ قِبلةَ رؤوس الأموال والاستثمارات؛ بسبب الأمن الذي نعمت به والذي كان يضطلع الشَّـهِيْد أبو حسن المداني بإدارته.
كانت مدينة صعدة حتى 20/3/2011م تعاني من جَوْر عثمان مجلي وظلم ما كان يسمى التحالف القبلي، فأوكل السَّـيِّد القائد إلى الشَّـهِيْد وقادة آخرين مهمة تحريرِ مدينة صعدةَ، فأنجز الشَّـهِيْد المهمة مع رفاقه كمعركةٍ عسكرية في مدينة سكنية بعبقرية عسكرية منقطعة النظير في غضون يومَين لا أكثر وبدون أيَّة خسائرَ تُذكر.
كانت لدى الشَّـهِيْد قدرةٌ فائقةٌ على تطبيق العلوم العسكرية كمدرسةٍ في الأداء العسكري في الحروب وبلورة منهجية أرقى مما درجت عليه مدارسُ العلوم العسكرية فتجاربُه الميدانيةُ وخططُه الإبداعية تستحقُّ أن تُدرَّسَ في الأكاديميات العسكرية، كما يقول متخصصون، وهي ليست إلا شاهدٌ على تجلّي الهداية الإلهية لمَن يسيرون على المنهجية القرآنية ويلتزمون توجيهاتِ قيادة ربّانية، وهذا ما كان يتميّزُ به الشَّـهِيْد كُلّ التميز.
لعلهُ يمكن أن يقالَ إن فلسفةَ الشَّـهِيْد العسكرية تلخصُّها العبارة (كانت الطلقة النارية لديه هي الضربة الأخيرة للعدو وليست الضربة الأولى).
مناسباتُ المولد النبوي:
مناسباتُ المولد النبوي في صعدة التي يُحييها المواطنون سنوياً استجابةً لدعوة السَّـيِّد القائد والتي كانت تشهدُ إقبالاً منقطع النظير بلغت في سنتَي 1432هـ – 1433هـ، حشوداً مليونية توافدت إلى محافظة صعدة، كانت تدار بكل جدارة وانسيابية من قِبل الشَّـهِيْد ورفاقه المؤمنين وبإشراف من السَّـيِّد القائد وتوجيه منه عبر خطط مدروسة جعلت تقاريرَ دوليةً تدرّسُ هذه القدرة الفائقة على إدارة الحشود وتأمينها.
برز دورُ الشَّـهِيْد أبو حسن بشكل أكبرَ عقب ثورة 21 سبتمبر 2014م الموافق ذي القعدة 1435هـ، حيث كانت مهمته تتمثل في المحافظة على وزارة الداخلية كمؤسسة سيادية من أهم مؤسسات الدولة.
ولحساسية العمل الأمني بشكل عام وخلال الستة الأشهر التالية يشهدُ وزيرُ الداخلية حينذاك اللواء/ جلال الرويشان للشهيد وبرقي التعامُل وقوة الشخصية وبعد النظر وكان لحكمة الشَّـهِيْد ورؤيته الثاقبة وفهمه العميق للمهمة إليه ولفريق عمله دورٌ أساسٌ، وبذلك فقد كانت وزارة الداخلية من أنجح الوزارات التي شهدت انسجاماً بين ضباط الأمن واللجان الأمنية، وقد جنّبها حضورُ الشَّـهِيْد على رأس اللجان الشعبية كُلَّ الإشكالات، وهكذا فإن ما تشهده البلاد من أهم رغم طول أمد العدوان وحرص العدو على إحداث اختراق أمني وتفجير الوضع من الداخل، هذا الأمن والاستقرار وفشل العدو في استهدافه له دلالةٌ عميقة على حجم أثر الشَّـهِيْد في هذا الجانب، ولا مبالغة إن قلنا إنه حسنة من حسناته.
تقلد الشَّـهِيْد الكبير منصبَ عضو اللجنة الأمنية العليا عقب الإعْــلَان الدستوري في 7 فبراير 2015م عندما تسلّمت اللجنة الثورية العليا قيادة البلاد.
استشهادُه:
وما إن شُنَّ العدوان السعودي الأمريكي على اليمن 26/3/2015م حتى كان الشَّـهِيْدُ الكبيرُ صاحبَ دور كبير في مواجهة العدوان، ولم يقُمْ بإدارة المعركة من مكانة، بل كما هي عادته وعادة المجاهدين الكبار تحَـرَّكَ إلى الجبهات، فأكرمه الله بالشهادة في الخطوط الأمامية في 15 شعبان 1436هـ الموافق 5/6/2015م لقد فاز الشَّـهِيْدُ بكرامة الله تعالى، ونال ما كان يتمنّى، وخسرت اليمنُ والأمة عظيماً من عظمائها إلا أن العزاء فيه أنهُ ربّى رجالاً في دُنياه سيواصلون مسيرتَهُ في الوفاء والولاء لله وللقائد وللمنهج ويُكمِلون مشوارَهُ في الدفاع عن الوطن.