هل تقف أميركا على حافة حرب أهليَّة ثانية؟

هل تقف أميركا على حافة حرب أهليَّة ثانية؟

ظهر استطلاع أجرته مؤسَّسة "راسموسن ريبورتس" أنَّ 31% من الأميركيين المستطلعة آراؤهم يرجّحون أن تشهد الولايات الأميركية حرباً أهلية ثانية في وقت ما خلال السنوات الخمس المقبلة.

من شبه المؤكّد أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجنَّب استهداف الناقلات الإيرانيّة المتّجهة نحو البحر الكاريبي (فنزويلا)، لكي لا يتعرَّض لموقف محرج يزيد من تأزّم وضعه قبل الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، وخصوصاً بعد رسالة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، عبر رئيسها حسن روحاني، والّتي نقلتها قطر، ومفادها أنّ "أيّ مشاكل ستواجه ناقلات إيران في أيّ مكان من العالم من قبل أميركا، فإنَّ الأخيرة ستواجه بمشاكل مشابهة أيضاً"، ولا سيَّما مع اشتداد تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد الأميركيّ. وقد بات ترامب اليوم يواجه مشاكل أمنيّة واجتماعيّة خطيرة على الصّعيد الداخليّ، تتمثَّل في تصاعد الاحتجاجات نتيجة مقتل مواطن من أصول أفريقيّة.

هذا الواقع الاحتجاجيّ الَّذي شهدته معظم الولايات الأميركية، وانتقلت عدواه خارج حدودها السياسيَّة باتجاه بريطانيا وألمانيا وكندا وغيرها من الدول، نتيجة فعل عنصريّ ليس الأول من نوعه، بل هو الخامس خلال أقل من عام، يعيد الأميركيين بالذاكرة إلى الحرب الأهلية، فالعنصرية التي يظهرها سلوك ضباط الشرطة وعناصرها، لم يقابل إلا بالتعاطف اللفظي من قبل المسؤولين الأميركيين مع الضحايا وعائلاتهم، بل يمكن وصف هذه العنصريَّة بأنها "مقوننة مؤسَّساتياً"، وهو ما يمكن تفسيره باعتبار القضاء أنّ جريمة مقتل جورج فلويد غير متعمّدة، ووصف المتظاهرين بالمجرمين والمخربين، بحسب وصف وزير العدل، وتهديد ترامب باستخدام الجيش وإطلاق النار على المتظاهرين، ليبرز الوجه الحقيقيّ لبلاد العم سام وحقيقة العنصرية التي باتت تشكّل أهم سمات فترة حكم ترامب:

١. منذ بدء حملته الانتخابية في العام 2016، لم يخفِ ترامب عنصريته ضد المهاجرين والأفارقة والإسلام.

٢. الدعم غير المحدود للكيان الإسرائيليّ وإغداق الهدايا عليه، ضمن ما سُمي "صفقة القرن"، وهو ما دفع حكومة الاحتلال إلى ممارسة أعلى درجات العنصرية بغطاء سياسيّ ودعم أميركيّ.

٣. مسعى ترامب إلى احتكار مصل مكافحة وباء كورونا، بعد تقديمه رشاوى لرؤساء مراكز البحوث العلمية والطبية في أوروبا، وتوظيف ذلك سياسياً، لإخضاع حلفاء واشنطن وخصومها لتوجّهات سياستها الخارجية، بما يحافظ على موقعها في النظام الدولي، فضلاً عن ممارسة الضغوط على المؤسَّسات الدولية، وفي مقدّمتها صندوق النقد الدولي، لعدم تقديم المساعدة والقروض للدول الفقيرة والمحاصرة. 

كما أن إعلان الرئيس الأميركي وقف تمويل منظَّمة الصحة العالمة، ومن ثم الانسحاب منها، يعبّر عن أقبح صور العنصرية، لأنَّ ذلك سيؤدي إلى شلّ عمل المنظّمة في الدول الفقيرة، وخصوصاً في أفريقيا وأميركا اللاتينية.

٤.اتهام ترامب لمجموعات "يسارية" بالإرهاب المحلّي، وتهديده بتصنيف مجموعة "أنتيفا" المناهضة للفاشية كمجموعة إرهابية، بهدف التنصّل من مسؤولياته، كما هو معتاد، وإلقاء اللوم على الآخرين، واستخدامهم "كبش فداء". ومن جانب آخر، تعزيز عنصرية اليمين المتطرف الأميركي، "التي تشكّل الحاضنة المؤيدة لترامب على أساس عنصري"، فإن كان اليساريون مسؤولين عن مقتل 2% من الأميركيين خلال العقد الماضي، فإن اليمين المتطرف مسؤول عن ارتكاب 74% من جرائم القتل التي تصنّف في إطار القتل لأسباب سياسية، بحسب الإحصائيات الأميركيّة.

هذا الأمر يقودنا إلى طرح سيناريو مبنيّ على سؤال: هل ستشهد أميركا حرباً أهليّة جديدة؟ 

من غير المستبعد حدوث ذلك، ولا سيَّما في ظلِّ توافر مقومات تشكّل أرضية وبنية مفجّرة للحرب الأهلية في الداخل الأميركيّ، أهمها:

أ. هناك الكثير من مراكز الدّراسات والأبحاث الأميركية، والمقرّبة من المؤسَّسات الخارجيّة والدفاع، حذَّرت من حصول صدام داخلي، ففي استطلاع أجرته مؤسَّسة "راسموسن ريبورتس" في حزيران/يونيو 2019، بيَّن أنَّ 31% من الأميركيين المستطلعة آراؤهم يرجّحون أن تشهد الولايات الأميركية حرباً أهلية ثانية في وقت ما خلال السنوات الخمس المقبلة.

ب. في حال استبعاد خيار الحرب الأهليَّة في الوقت الحالي، فإنَّ ذلك لا يعني عدم حدوث المزيد من الانقسامات العميقة والشرخ في المجتمع الأميركي أو في علاقة المجتمع مع المؤسَّسات الرسمية، وهو ما يعبّر عن فشل النظام الأميركيّ، رغم وصول مسؤولين من أصحاب البشرة السوداء إلى مناصب حسّاسة ومهمَّة في الداخلية والدفاع والخارجية، وحتى البيت الأبيض. 

هذا الفشل وصفه البروفيسور كورنل وست من جامعة برينستون بأنَّه فشل للتجربة الاجتماعية في أميركا، فتاريخ السّود منذ أكثر من 200 عام يشهد على فشل النظام الرأسمالي الأميركي في إيصال قيمه التي يتغنّى بها، من مثل العدالة والحقوق وحرية الأفراد، إلى جميع مواطنيه بالتساوي.

ج. المحرّض الأبرز لاندلاع الحرب الأهليَّة هو ترامب ذاته، الذي هدَّد في أيلول/سبتمبر 2019 بنشوبها، حين قال: "في حال نجح الديموقراطيون في عزل الرئيس، سنشهد اندلاع حرب أهليَّة من شأنها تقسيم البلاد"، كما أنَّ تعاطيه مع مقتل فلويد وتصريحاته كانت مستفزة لقسم من الشعب الأميركي، وشكَّل بعضها تحدياً لهم.

د. انتشار السلاح بكميات كبيرة داخل الولايات المتحدة، وازدياد الإقبال على اقتنائه بعد انتشار وباء كورونا بنسب تراوحت بين 40 و68%، بحسب الولايات.

و. تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة نتيجة وباء كورونا، وامتعاض الكثير من المواطنين الأميركيين من تصريحات الرئيس ترامب وتعاطيه في التصدّي للوباء، وتحميله المسؤولية الكبرى في انتشاره، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 40 مليون شخص.

ما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية من احتجاجات واحتقان، وربما الوصول إلى حافّة الحرب الأهليّة، قد يصبّ لصالح الرئيس ترامب في الوصول إلى سدّة الحكم مرة ثانية، وخصوصاً أنَّ الديموقراطيين ليسوا أفضل من الجمهوريين في التعاطي مع مثل هذه الحالات.

كما أنَّ هذا التوتّر قد يؤدي إلى تمسّك اليمين المتطرف أو ما يعرف بطبقة العنصرية البيضاء بالرئيس ترامب، ونسبة هؤلاء لا تقلّ عن 40% من الشعب الأميركي، ناهيك بالشراكة مع طبقة الأثرياء، وتداخل المصالح، وموقف اللوبي الإسرائيلي، وهو ما قد يساعد ترامب على البقاء داخل البيت الأبيض، باستثمار دماء الشعب الأميركي وانقسام الداخل.