... والكرة أيضاً تسرقها

... والكرة أيضاً تسرقها "إسرائيل"

بعد أن سرقت أرض فلسطين وتحاول سرقة المزيد منها، فإن "إسرائيل" تسرق كذلك الرياضة في الأراضي المحتلة وفي الضفة، وفصول سرقتها واعتداءاتها على الرياضة الفلسطينية لا تُعَدّ ولا تُحصى.

كثيرةٌ هي المرّات التي استهدف فيه الاحتلال الإسرائيلي الرياضة الفلسطينية؛ هذا الاحتلال لا يريد لأطفال فلسطين الفرح الذي يكون على شكل كرة، ولا أن ينافس شبابها الرياضيون في كُبرى المحافل الرياضية العالمية. الرياضة حياة، والاحتلال لا يريد لشعب فلسطين إلا الموت.

هل رأيتم في بلدٍ ما دورياً لكرة القدم لأشخاصٍ مبتوري الأطراف؟ هذا يحصل في بعض البلدان، لكن في غزة يكون السبب مختلفاً. هنا وُجِدَ لأن هؤلاء اللاعبين تعرّضوا لإطلاق نار أو قذيفة من قوات الاحتلال وفقدوا أطرافهم. لكنها إرادة الحياة والصمود والتحدّي هي التي جعلتهم يعودون إلى الملاعب ليركلوا الكرة مُجدَّداً ولو على رجلٍ واحدةٍ وعلى عكّازين. هذا هو شعب فلسطين.

أصلاً كل أوجه الرياضة الفلسطينية هي فعل تحدٍّ وصمود بوجه الاحتلال. الرياضيون الفلسطينيون يتعرَّضون للتضييق المستمرّ في الضفة، وللحصار في غزَّة. يتنقّلون للعب المباريات بموجب تصاريح من الاحتلال ووفق مزاجه، كما تُمنَع عنهم المساعدات والتجهيزات الرياضية. أما الملاعب والمقّار الرياضية فلم توفّرها صواريخ الاعتداءات والعدوان على غزَّة أكثر من مرة.

أيضاً وأيضاً، هل رأيتم في بلدٍ دوري كرة مقسوم إلى بطولتين؟ هذا يحصل في الدوري الفلسطيني من خلال دوري في الضفة وآخر في غزَّة. هذا سببه الاحتلال وسرقة أرض فلسطين وتقطيع أوصالها.

أما في حال تواجه فريقان من الضفة وغزَّة في نهائي كأس فلسطين كما حصل في العام الماضي بين شباب بلاطة (الضفة) وخدمات رفح (غزَّة)، فإن قوات الاحتلال تمنع مباراة الإياب لرفضها مَنْح التصاريح للّاعبين القادمين من غزَّة.

حتى منتخب كرة القدم الذي يمثّل فلسطين في البطولات الخارجية فإنه يعاني الأمرّين وهو ممنوع من خوض المباريات الدولية على أرضه، فضلاً عن أن منتخبات وأندية البلدان التي هي في حالة عداء مع الكيان المحتلّ ترفض اللّعب في الضفة، وهذا هو الموقف المشرّف والمطلوب دائماً برفض التطبيع عبر المرور على المعابر الإسرائيلية. كل هذا سببه الاحتلال.

أضف إلى غياب الدعم المطلوب لمنتخب فلسطين، لكنه رغم ذلك فإنه يتحدَّى ويصمد ويُثبت دوماً أنه "الفدائي" كما يُلقَّب.

حتى عندما يطالب الفلسطينيون بأبسط حقوقهم تحت الاحتلال والظلم، فإن العالم يقف في وجههم. هذا حصل قبل 3 أعوام عندما توجَّه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى نظيره الدولي بطلبٍ لمُعاقبة ووقف نشاط أندية المستوطنات التي تلعب في الضفة بما يخالف قوانين "الفيفا"، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، إذ أن الأخير رفض اتّخاذ قرار حول المسألة وقرَّر أن يكون "على الحياد" وأبقى الأمور على حالها. هل إن "الفيفا" يقبل أن يكون "على الحياد" في مسألةٍ أخرى؟ لكن المُتضرّر هنا الفلسطيني والمُعتدي هو الإسرائيلي. هنا يتحوَّل "الفيفا" في الرياضة إلى لعب دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما هو حاصل في السياسة، وفي النهاية لا حقّ للفلسطيني.

أصلاً فإن المسألة لا ترتبط فقط بلعب تلك الأندية في الضفة في ما يُسمَّى "الدوري الإسرائيلي" لكرة القدم، إذ أن هذا الدوري كلّه غير شرعي لأنه يُقام على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ النكبة عام 1948.

كل مباراة كرة يلعبها الإسرائيليون المُحتلّون، وكل كرة يركلونها على الأراضي الفلسطينية المحتلة هي سرقة. سرقة لشعب فلسطين الذي يعيش تحت الاحتلال ويعيش الشتات. هذه الكرة، كما الأرض، هي ملكٌ للفلسطينين. هي لشبابهم، لأطفالهم. هؤلاء الذين تلسعهم حرارة الشمس وهم يركلون الكرة حُفاة في الملاعب الرملية في غزة والضفة وفي مخيّمات الشتات.

لكن لا بد في النهاية من أن تُشرِق شمس الحرية على فلسطين فلا تختفي فقط أندية المستوطنات في الضفة، بل تُهدَم أيضاً كل ملاعب الكرة الإسرائيلية التي بُنيَت من خلال سرقة الحقّ والباطل وتزوير التاريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُشيَّد مكانها ملاعب لا يرتفع فوقها إلا عَلَم فلسطين، ولا يركل فيها الكرة إلا شباب وأطفال فلسطين.