نحن مأمورون بأن ننذر حياتنا لله، وننذر مماتنا لله

نحن مأمورون بأن ننذر حياتنا لله، وننذر مماتنا لله

من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بعباده – وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءه – فتح أمام الإنسان إمكانية أن يستثمر حتى موته الذي هو حتمية لا بد منها، قضية لا بد منها لكل إنسان سواء كان برًا أو فاجرًا كبيرًا أو صغيرًا لا بد أن يموت، فإن الله لرحمته بعباده فتح أمام الإنسان هذا الباب العظيم هو: إمكانية أن يستثمر موته على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة.

فعندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله فهو فعلا من استثمر حياته، استثمر موته، استفاد من حياته، استفاد من موته، جعل حياته وموته كلها عملًا في سبيل تحقيق رضوان الله سبحانه وتعالى وأن يحظى بالقرب منه وأن يفوز بالنعيم الذي أعده لأوليائه.

عندما يفكر أي واحد منا، وينظر إلى أنه هل فعلًا سيموت؟ كل واحد منا متأكد من أنه سيموت؛ إذًا فلماذا، لماذا؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل حتى الموت مما يمكن أن تستفيد منه لماذا لا يستفيد كل واحد منا من هذا الموت الذي لا بد أن يهجم عليه؟ سواء طال به العمر أو قصر!

كان بالإمكان أن يكون الموت قضية عادية، هي نهاية لا يرتبط بها شيء في ذاتها لا يمكن أن تستثمر؛ لكن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده الرحيم بأوليائه جعل الموت على هذا النحو.

فأن تكون صادقًا في اقتفائك لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أن تكون صادقًا في الاقتداء برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن تنذر حياتك لله، وتنذر موتك لله. ليس فقط هو أن أبحث عن كيف كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) [يتَمَسوَك] أو كيف كان يؤدي أعمالًا أخرى! هذا شيء.

الإنسان الذي يعلم أنه يجب عليه أن يقتدي برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يجب أن يقتدي به في كل هذه الأشياء التي أمر بها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولو قلنا كما قد يقول البعض: بأن هناك أشياء تختص بالنبي، لكن أما في ميادين العمل فقد يختص بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن يبذل جهده على أعلى مستوى، على أعلى مستوى، لكن ذلك لا يعني: بأن الآخرين ليس أمامهم أن يبذلوا جهودهم على أعلى مستوى.

فما أمر به رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نحن أُمرِنا بأن نقتدي به، فما هو في مجال العمل في سبيل الله لا نجد أن هناك خصوصيات للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مجال العمل في سبيله إلا خصوصية – إن صحت العبارة – التكليف على أرقى مستوى، أن يبذل جهده على أعلى ما يمكن في سبيل الله.

ولكن الآخرين من الناس لا زال المجال مفتوحًا أمامهم بأن يقتدوا به على أعلى درجة ممكنة، فنحن هنا في قوله تعالى: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: من الآية162) وهو يقول لرسوله أن يقول هكذا وأنه أمر بهذا، فلو قلنا بأن المسألة لسنا أو ليس مطلوبًا منا أن نقتدي به فيها: فننذر حياتنا لله، وننذر موتنا لله سترى ماذا سيحصل! أنه أنت إذا لم تكن ناذرًا لحياتك لله ولم تكن ناذرًا لموتك لله فإنك ستبتعد عن أشياء كثيرة جدًا جدًا من الأعمال التي يجب عليك أن تؤديها، وأنك أيضًا ستفقد صفة من الصفات التي فرضها القرآن الكريم كصفة لازمة لأولياء الله هي: أنهم باعوا أنفسهم من الله.

فلو أنها مسألة مختصة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لما ذكرها في مقام آخر من الصفات التي أثنى على عباده المؤمنين بالتحلي بها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة:111).

كذلك في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207) لاحظوا كيف هذه الآية تؤكد أن المسألة هي أيضًا من الرحمة والرأفة التي مَنَّ الله بها على عباده {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} باع نفسه من الله ليقتل في سبيله، ليعاني في سبيله، ليتعب في سبيله، ليبذل مهجته في سبيله قال بعدها: {وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} هو رؤوف بهم إلى درجة أنه فتح أمامهم أن يستثمروا موتهم!

ما معنى رؤوف بهم؟ أنه يعني: حصل هذا منهم وهو لا يريده منهم وإنما هكذا غامروا بأنفسهم وإلا فهو رؤوف بهم لا يريد أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شراء أنفسهم منه وبيع أنفسهم ابتغاء مرضاته؟!

إن الرأفة والرحمة بالإنسان تتحقق بأن الله يفتح أمامه مجالات واسعة ومتعددة ليحصل على القرب منه، ليحظى بالقرب منه، ليحظى برضوانه، ليحظى بالنعيم الدائم في الجنة، ليحظى بالسعادة الأبدية في الجنة، هذه هي الرحمة، إضافة إلى مظاهر الرحمة في الدنيا التي تتحقق للإنسان في هذه الدنيا وهي كثيرة جدًا.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

محياي ومماتي لله

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 8/2/2002م

اليمن – صعدة