البعض لا يريد أن يرى إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية في المحافظات التي يسيطر عليها في جنوب اليمن زلزالا , والبعض الآخر يريده زلزالا (على كيفه ) بحيث يحدد هو وفقا لرؤيته درجة قوته وحجم أضراره ومديات الاستفادة من آثاره الممتدة عبر عشرات السنوات إن لم يكن مئات.
في الشمال ليس أمامهم إلا إعلان التمسك بالوحدة وإن كانت أدبيات ثورتهم تلمح إلى تفاصيل خاصة واستعداد للتفاهم على نحو آخر غير الوحدة التي نعرفها في بلدان غير اليمن.
وفي الجنوب يبدو الانفصال مطلبا جماهيريا تتلاعب به النخبة والجماعات والقيادات السياسية والميدانية وفقا لارتباطاتها الخارجية وأجندة معونات الدول المتداخلة في الشأن اليمنى، والتي تقبع مطامعها في هذا البلد المهم تحت كل زلزال يبدو سطحه خامدا رغم ما تحته من ركام متوهج.
هل تريد أن تضحك أم تفضل البكاء؟
في بيان لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي بعد اجتماع قيل إنه طارئ بتاريخ 26 \4\ 2020 انتقد عدم صرف رواتب المؤسسة العسكرية والمتقاعدين والمدنيين، واستهجن التوقف عن دعم الجبهات المشتعلة بالسلاح ومتطلبات المعيشة واتهم الشرعية بتأجيج التناحر الوطني ودعم الإرهاب وتسخير موارد الآباد لتمويل أنشطة الفساد والتهرب من اتفاق الرياض مرورا بانتقاد صمت الأشقاء في التحالف غير المفهوم ولا المبرر.
وأقر المجلس فرض حالة الطوارئ في عدن ومحافظات الجنوب وأعلن الإدارة الذاتية للجنوب مطالبا جماهير الجنوب إلى الالتفاف حول قيادتها ومساندتها لتنفيذ الإدارة الذاتية، داعيا الأشقاء في التحالف العربي والمجتمع الدولي الى دعم ومساندة إجراءاته.
تريد أن تضحك …
السيد عيدروس الزبيدي أعلن الإدارة الذاتية لعدن والجنوب من فندق في أبو ظبى، أما السيد عبد ربه هادى منصور المستهدف بالإجراءات فمقيم في أحد فنادق الرياض , بينما السيد معين عبد الملك رئيس حكومة هادى فيدعو لضبط النفس من شقته في القاهرة، أما في الجنوب ذاته فقد أقيمت الأفراح بجوار المآتم, لدرجة تجعل المجنون يقدم حلا, إذا حقا تريدون الانفصال فأعلنوه مباشرة دون لف ودوران , الأمر لا يحتاج ولا حتى للتفاهم مع صنعاء.
أما النصف عاقل فيفهم أنهم جميعا لا يملكون من أمرهم شيئا فلا هم راغبون في استمرار الوحدة ولا أمر الانفصال بأيديهم.
وهنا تفهم أن الجنوب الذي يقال إنه محرر هو أيضا محاصر ولكنه حصار الإرادة والأفكار وغل اليد عن القرار الشعبي سواء بالانفصال أو الوحدة وكلاهما بيد الأحرار فقط غير المكبلين المغلولة أيديهم وأفكارهم. ومنه تفهم أيضا أن الشمال ترك للجنوب حرية اتخاذ الموقف النهائي وعندها سيكون لكل حادث حديث.
تريد أن تبكي …
ابك على المغتصبين من الرجال في السجون وغيرها، وابك على تجارة الرقيق في مناطق كانت حرة عزيزة، ابك على شباب قبليين يمنيين من الجنوب ليس لهم قضية من يمنيين من الشمال إلا الخضوع لجلاب يلبسهم لباس الحرب ويلقيهم في آتون النار على جبهات لا تقدم ولا تؤخر في قرار الجنوب سواء بالانفصال أو باستمرار الوحدة.
وسواء كنت شماليا أو جنوبيا ابك على مدنك وقراك التي كانت تحرسها الجبال، من أجل ماذا؟ أنت لا تعرف، أنت لا تفهم، أنت لا تريد أن تعرف أو تفهم، فقط كنت أسرعهم في الدخول في الفتنه أبطأهم في الخروج منها. فلتكن هدفا لأي رصاصة أو ما شئت.
صنعاء وما حولها أفيقوا فالأداء ليس جيدا
على مدى أكثر من خمس سنوات انقطعت فيها لمتابعة الشأن اليمنى كنت وما زلت معجبا بأداء الجيش واللجان والإعلام الحربي، لم أستطع ذات مرة أن أخفي أو أتجاهل هذا الأداء المبهر المتطور الواقعي الصلب، ولم أحاول ذلك أبدا رغم ما يحيط الكتابة في الأزمة اليمنية من مخاطر أو على الأقل تجاهل لا يعرف الكثيرون مدى قسوته. ويوما بعد يوم يحقق جيش صنعاء ولجانها أهدافهما سواء التكتيكية أو الاستراتيجية بصبر عجيب وحكمة بالغة بحيث يشهد لهما الأعداء قبل الأصدقاء.
ولكن ...
تحت القصف وفي ظل جحيم الحياة تحت الحصار وتغول الجوع والمرض والحروب النفسية، لم يكن من اللائق أن نتكلم ولو بطرف الإشارة عن الجانب الآخر من الصورة، والتي يتبدى فيها دون تركيز، بل من أول نظرة، كيف تسلق المتسلقون أكتاف المقاتلين على الجبهات، فحصد بعضهم المناصب وأثرى البعض الآخر على نفقة الدولة. بل ‘ن البعض بات قادرا على تجاهل الدولة نفسها طبعا بحجة ممارسة اختصاصاته؟ وهكذا صارت دماء الشهداء تجارة رابحة مرة في الأسواق ومرة على الشاشات، وما أروع أن يتذكر الآخرون شهيدا حتى لو على صفحة افتراضية، ولكن.. ما قيمة أن تفتخر بشهيد من عائلتك ولا تذهب إلى حيث قتل فتثأر لدمائه؟
في اليمن الذي نجا من جائحة كورونا، تحذر منظمة الصحة العالمية من انتشار وباء الملاريا القاتل بسبب الأمطار المتواصلة، وكما هو معلوم فإن الملاريا مرض الفقراء، وكأن فيروس كورونا الذي لا يفرق بين فقير وغنى وأمير وخفير استكثر على نفسه أن يصيب اليمن، فالموت فيها للفقراء والحياة للانتهازيين الذين سماهم السيد عبد الملك في محاضرته الثالثة لهذا العام بالمتجبرين الذين أصابهم الغرور والكبر لدرجة أنهم يرفضون مجرد النصيحة بزعم أنهم أصحاب صلاحيات!
لا وقت للإرشاد فالوقت وقت قرارات
الصورة ليست قاتمة إلى الحد الذي يهدد مستقبل الثورة، ولكنها لم تعد ناصعة كما عرفناها أول مرة، فالرقابة باتت ضرورة، والذين يرتكبون جرائمهم بحق الصامدين والصابرين، اعتقدوا أنهم بعيدين عن الأعين يوالى بعضهم بعضا، متجاهلين آلام الضعفاء والمحتاجين وحاجة الجميع إلى دولة قوية تبسط سلطة قوانينها على الجميع دون تفرقة.
والأسوأ منهم أولئك ممن يجب أن نطلق عليهم مسمى كتائب المنافقين الذين يبررون لكل خطأ بحجة أن القيادة على علم به وأنها قادرة على التعامل معه في الوقت الذي تحدده، لا يا سيدي، فكتائب المنافقين هربت مع أول مواجهة في دول بحجم اليمن عدة مرات ومع أنظمة بحجم حكومة صنعاء عشرات المرات، وفي ظل قيادات كانت تاريخية ملهمة وما زالت لدى ملايين العرب والمسلمين.
دولة في صنعاء لكل اليمن فهل أنتم جاهزون؟
في 19 \9\2019 كتبت مقالا منشورا لمن يرغب في العودة إليه، كان عنوانه هكذا، دولة أم جماعة؟ ميليشيا أم جيش وطني؟ وذلك ضمن سلسلة، والذين معه في فقرة منه قلت عن أنصار الله، أعرفهم بيقينهم وأعرف عقيدتهم وأعرف الظروف القاهرة التي يعانيها آباؤهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم، وقلت: ماذا تفعل لو كنت يمنيا هل تستسلم للعدوان أم تقاومه أم ترتزق وتتعامل مع المحتل؟ أم تقف على الحياد أو تفعل مثلما يفعل البعض وتنتقل من طرف لآخر؟ انتهى الاقتباس واليوم ونحن في نهاية أبريل 2020 , هل تريد منى وأنا البعيد عن مسجد صنعاء الكبير بآلاف الكيلومترات، أن استبدل أسئلتي السابقة بسؤال مؤلم، هل هناك وجود للدولة في صنعاء؟ هل تحتاج صنعاء إلى حكومة قوية؟ هل يتوازى إنجاز المسئولين المدنيين في صنعاء مع إنجازات شباب وشيوخ الجبهات؟ هل تشعرون بما تشعر به أجساد الشهداء تحت التراب؟ هل تتحملون عودة الأرواح إلى أجسادها لتحاسب المتسلقين الانتهازيين والسلطويين بالصدفة؟ هل أنتم مستعدون لاستقبال العائدين من الجبهات عندما تضع الحرب أوزارها؟