فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى

فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى

عندما تشقى الأمة في الدنيا، معنى ذلك أنها مقصرة فيما تستحق به السعادة في الآخرة، هي معرضة عن ذكر الله، هي لم تتبع هدى الله، الله وعد، وعد وعداً صادقاً {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) لا في الدنيا، ولا في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}(طه124) ألم يربط هنا؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}؟ ما هو ذكر الله؟ هداه الذي يرسمه للناس في الحياة. {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} ما هو الشقاء في الدنيا؟

 

شقاء ولو في النفوس، متى ما شقيت النفوس ولو المال كثير عندك فإن المال نفسه قد يتحول إلى عذاب، {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة55) في الدنيا نفسها، أو يتعذب هو في الدنيا عندما يرى بأنه يجمِّع الأموال للآخرين، يأتي له مرض سكر، أو ضغط، أو كذا، أو كذا، كم يا أمراض كثيرة، أو أي شيء من الأمراض التي تجعله يُحْرَم كل ما تحت يديه، أليس مرض السكر هو من الأمراض المنتشرة في هذا العصر؟ من يلاحق؟ أصحاب رؤوس الأموال أكثرهم!.
إذاً أليس هو يضرب عليه كل لذات الحياة، كل شيء [حالي] ممنوع، كل شيء [دسم] ممنوع، لا يعد يجرؤ يأكل فواكه، ولا لحوم، وبعضهم أيضاً يمنع فيما يتعلق بالنساء، أليست حياته تصبح حياة ضنكا؟ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} فنفهم هذه: كيف قرن بين الشقاء في الحياة، والشقاء في الآخرة، الشقاء في الدنيا، والشقاء في الآخرة، أي: أن الدين، أن الإسلام جاء ليبني الحياة، فتسعد الأمة التي تهتدي بهديه.
بل كل شرائع الله؛ لأن هذا الكلام قاله الله لآدم عندما أهبطه من الجنة هو وزوجته، هو وسيلة السعادة في الدنيا وفي الآخرة، من أعرض عنه شقي في الدنيا وفي الآخرة.
س – هنا كأنه سئل لماذا سبرت الدنيا للمعرضين عن هدي الله؟ فقال:
قلنا سابقا: إذا سبرت لهم في الصورة من جهة فلأنهم أحياناً قد يأخذون جانباً من هدي الله فيما يتعلق بالدنيا، في التعامل مع الدنيا، الدنيا لها سنن معينة، والتعامل معها على نحو معين يعطي نتائج، لكن السعادة، السعادة نفسها التي تجعل الحياة سعيدة ليست فقط بقضية المال، أليست الإحصائيات تأتي كثيرة من دول الغرب عن عمليات الانتحار، كم يحصل من انتحار! [السويد] البلد الذي قد هو يعتبر أكثر دول الغرب رفاهية، حالة الانتحار فيه أكثر من أي مجتمع آخر.
تأتي مظاهر أخرى تجعل الحياة ضنكا: تفكك الأسر، في الغرب، تفكك الأسر ظاهرة معروفة، فتجعل الناس يعيشون مع بعضهم بعض وكأنهم وحوش، ولا علاقة لبعضهم بعض، يأكل القوي فيهم الضعيف، فتصبح مظاهر الحياة ما هي؟ أعلام شامخة، هكذا، أشياء تتحرك هنا وهنا. وبالنسبة للإنسان نفسه، الإنسان نفسه يكون شقياً حتى في ظلها.
هو قال: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} وإن بدت مظاهر من حوله، ناطحات السحاب، وأشياء من هذه، وإن بدت على هذا النحو، قد تبدو أمامنا سعادة، وتبدو أمامه سعادة، يعني توفير للحياة، لكن هو لا يمكن أن يذوق طعم الحياة بالشكل الذي كان يمكن أن يحصل عليه لو سار على هدي الله، تنطبع كلها، حياتهم، وحياتنا بهذا النوع من المعيشة: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}، من كانت بالنسبة له صعوبة في الحصول على لقمة العيش، ومن يحصل على لقمة العيش، فهناك شيء آخر: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح4) يجعل معيشتهم ضنكا بأي طريقة، بأي طريقة تكون ضنكا.
عندما يكتبون عن دول الغرب، عن الحالة الاجتماعية في دول الغرب، حالة مقلقة جداً، القلق النفسي، التوتر النفسي الذي يجعلهم أحياناً يميلون إلى الحيوانات، يألفون الحيوانات، يألفون الكلاب، ويألفون مختلف الحيوانات، لم يعودوا يألفوا بعضهم بعض. إذا كنا لا نفهم إلا نمطاً معيناً من ضنك المعيشة فالله يخبرنا بأنه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يستطيع أن يجند أيّ شيء، ولو فيروس معين يجعل حياتك ضنكا.
يحصل تلقائياً، عندما تبنى الحياة في جانب معين، ولا يسير الناس على هدي الله في مختلف الجوانب الأخرى، تتحول حتى هذه المظاهر إلى عذاب، ما الله قال هكذا عن الكافرين؟ {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}؟ ما معنى هذا بأن بالإمكان أن يكون ما بين يديك وسيلة عذاب لك، إذا كان ما بين يديك قد يكون وسيلة عذاب لك فهو من مظاهر الحياة الضنكا، والمعيشة الضنكا.
لأن هذه حقيقة لا يمكن أن تتخلف، وعندما ترجع فعلاً إلى إحصائيات عن دول الغرب التي هي مترفة، ترجع إلى ما كتب عن دول الغرب هذه، عن واقعهم كناس، وليس عن واقع البلدان كبلدان، البلدان ترى فيها المصانع، ترى فيها البنايات الضخمة، ناطحات السحاب، ترى فيها الشوارع الجميلة، الحدائق الجميلة، ترى فيها مختلف الأشياء المنتجة، لكن ليست هذه وحدها هي الحياة، ليست هي وحدها المعيشة، وإلا لعاش الناس سعداء لمجرد وجودها، لمجرد وجودها لا تجعل الحياة سعيدة، هناك أشياء أخرى تجعل حياة من أعرض عن ذكر الله ضنكا، سواء ما كان بشكل عقوبة تأتي من قبل الله سبحانه وتعالى، أو بما كان على شكل أنهم ساروا على غير هدي الله، فكانت النتائج على هذا النحو الذي يشقيهم.
لأن المطلوب هو عمارة الدنيا، لكن على نحو من الصلاح، يترافق معه عمارة النفوس، زكاء النفوس وطهرها، وعمارة الحياة، عمارة الدنيا، فلتكن هناك ناطحات السحاب، وليكن هناك مختلف الأشياء من مظاهر ما هو متوفر في هذا العصر، يترافق معها زكاء في النفوس، نفوس زاكية، نفوس طاهرة، مجتمع صالح، هنا تحصل الحياة السعيدة فعلاً، الحياة السعيدة فعلاً تحصل.
ظهر في هذا العصر أمراض خطيرة فتاكة لم تظهر في الزمن الأول، من أين تأتي؟ أليست تأتي كلها من هناك؟ أمراض [الأيدز]، وانتشار السكر، وكل مرة يظهر مرض من هذه الأمراض، قد يكون فيروس، أو جرثومة صغيرة جداً جداً فتفتك بهم، وتقلقهم، وتحول حياتهم إلى قلق، وتعاسة.
إذا كان الله يخبرنا بأنه من الممكن أن يكون ما بين يديك من مال، وإن كان يبدو في الصورة، وتبدو أمام الآخرين وكأنك سعيد، يمكن أن يجعله الله عذاباً لك في الدنيا، الآية صريحة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.
نحن إذا عدنا إلى القرآن نفهم من خلال القرآن بأن كل من يعرض عن ذكر الله سيعيش معيشة ضنكا، ويحشر يوم القيامة أعمى، فالإيمان بأن هذه حقيقة، حقيقة لا تتخلف هو المطلوب من المتقين، وإن كنا قد لا نفهم كيف سيكون شقاء هذا، وشقاء هذا، وشقاء هذا، وشقاء هذا. وعلى أساس هدي الله تكون الحياة سعيدة، ويكون المجتمع صالحاً، ويعيش عيشة سعيدة.
إذا عاش الناس معيشة ضنكا فمعنى هذا أن هناك خللاً من قبل أنفسهم، وعلى أيديهم، سببه أنهم معرضون عن ذكر الله، فتبدو هنا المسألة، المعرض عن ذكر الله عملياً، ويفسد بيده، والمعرض عن ذكر الله الذي لم يتحرك ليقطع يد المفسد، والذي لم يسر على هدي الله في قطع يـد المفسد، فيشتركون جميعاً؛ لهـذا يأتي يوم القيامة – الذي يبدو من خلال الآيات – أن أهل النار يكونون كثيرين جداً جداً، من مختلف الأجيال.
لهذا يأتي الخطاب للناس يوم القيمة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(يس60) كأنه يخاطب المحشر بكله، كأنه يخاطب البشر كلهم في المحشر: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}(يس61- 62) من أين هذا؟ من الذين يضلهم الشيطان فيتحولون إلى عبَّاد للشيطان، سواء ممن كان يعبد الشيطان تحت اسم دين، ومن ديانات الله، فهو يُضِل، يَضل ويُضل باسم الدين، باسم الإسلام، بعد ما جاء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أو باسم دين موسى، أو باسم دين عيسى، أو باسم أي دين يأتي على أيدي أنبياء الله.
دروس من هدي القرآن الكريم
محاضرة فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنِّيْ هُدَىً
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
 اللعنة على اليهود
 النصر للإسلام