معنى التولي
يقول الشهيد القائد -رضون الله عليه- في معنى التولي (ماذا يعني التولي؟ التولي يبدأ بميل، ميل, ثم ينعكس بشكل تأييد فتكون معهم موقفك موقفهم، تؤيد مواقفهم ولو موقفاً واحداً، تصبح في ذلك الموقف ولياً من أوليائهم ومتولياً لهم. هذا معنى التولي) (لأن قضية التولي هي خطاب للمشاعر للقلب، أعمال تنطلق نحو القلب نحو النفس، وهذه هي منطقة خطيرة، منطقة القلب منطقة خطيرة، التولي هو من أعمال القلوب، العداء هو من أعمال القلوب، ميل إليهم يدفعك إلى أن تكون معهم.)
ويقول السيد عبد الملك – يحفظه الله-: (التولي ليس مجرد انتماء مذهبي ولا كلام يتكلم به الإنْسَان وانتهى الأمر. |لا| التولي ارتباط عملي ارتباط سلوكي التزام مبدئي وأخلاقي هذا هو التولي.. التولي سيرٌ في الطريق الصحيح، التولي تحركٌ في الصراط المستقيم، التولي التزام بالرسالة الإلهية في مضامينها في مبادئها في قيمها في أخلاقها هذا هو التولي.
دوافع التولي
غالبا ما يكون الإعجاب والانبهار بالآخر والطمع فيما عنده والخوف منه سببا أو التأثر به والانخداع له ودافعا لتوليه واتباعه ولذا كشف الله سبحانه وتعالى حقيقة أعدائه حتى لا يغتر بهم أحد مهما تمظهروا بالإنسانية وتصنعوا بمكارم الأخلاق ولا يطمع فيما عندهم فهو زائل وهم أشد الناس بخلا لا يعطون حتى القطمير وحتى لا يخاف منهم مهما أبرقوا وأرعدوا ومهما أرهبوا وتمظهروا فهم أذلة ومشتتون من الداخل حتى وإن قاتلوا ولوا الأدبار
يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه حول قوله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (أعطاهم صورة عامة عن ماذا؟ عن واقع الحياة فلا يدفعك ملك هناك تراه وكأنه لا يمكن أن يتحطم، ولا عزة هناك أو طرف يبدو وكأنه في حالة منعة، يمكن يأتي يوم من الأيام يذل، ولا رزق هناك فيدفعك إلى أن تتولى بسبب هذه الأشياء، الله هو ينـزع الملك ممن يشاء، هو يذل من يشاء، هو يرزق من يشاء بغير حساب . إذاً ماذا بقي هناك من شيء يدفعك إلى أن تتولى طرفاً آخر من هؤلاء؟ التولي قد يكون سببه هذه: لكون ذلك في موقع ملك وعزة ومال أليست هكذا؟ ويشكل منعة، يجب أن تكون متولياً لله الذي بيده هذه الأشياء، فذلك الملك الذي قد يدفعك إلى توليه ستراه في يوم من الأيام يتهاوى، ويؤتي آخرين عزة لطرف، وذلة ترى نفسك فيها أو أنت في حالة ترى نفسك مستضعفاً ستتهاوى تلك العزة.
حقيقة التولي
التولي تجده في الأخير قضية عملية، أليس هو يمثل هناك الأثر النفسي للتاريخ إذا قدم على هذا النحو أنه يوجد دفعة عملية، يوجد عند الإنسان رؤية واضحة، ورؤية ثابتة، أن يكون مستقيماً، وما هناك إلا هذا المجال، لا ينحرف، إذا انحرف وقع في طريق الشيطان وأولياء الشيطان، وهم خاسرون على ما قدمهم هنا، وفي داخل الأمة أمثلة في تاريخنا، في تاريخ المسلمين، والآن يوجد أمثلة، أمثلة في الواقع، بل في العصر هذا نفسه أمامنا، فيما يعمل الأمريكيون، وفي مواقف الشعوب الأخرى، ومواقف الناس، تتجلى الخسارة فعلاً، عندما كانوا يتخذون آخرين أولياء، كيف أنهم لم يشكلوا لهم أي حماية، ورأوا أنفسهم أمام أعداء، سواء كانوا نفس العدو السابق مثلاً صدام بالنسبة للعراق وحزب البعث، ثم الأمريكيين من بعدهم يدوسونهم .
خطورة التولي غير الصحيح
هل هناك خطورة بالنسبة للتولي؟ أوضح ما يمكن أن يُعبر عن خطورة التولي بعبارة توجد تقززاً واشمئزازاً من المسألة هذه أنك ستكون مثلهم، ما أنت تلعنهم؟ ما أنت تبغضهم؟ يهودي نصراني، اعرف أنه سيكون حكمك حكمهم، وتكون مثلهم. جمع في هذه بين بيان حكم من يتولاهم كيف سيكون في واقعه، وبعبارة توجد أيضاً – هي نوع من الهداية – توجد اشمئزازاً وابتعاداً وتقززاً في النفس عن توليهم.
هل تعتقد أن التولي قضية سهلة؟ القرآن الكريم خاطب اليهود الذين كانوا في زمن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وهم من لم يقتلوا الأنبياء السابقين، هم أنفسهم الموجودون لم يعيشوا فترات طويلة حتى يكونوا هم ممن شارك في قتل الأنبياء السابقين، خاطبهم القرآن على أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ألم يخاطبهم هكذا؟. لماذا أصبح هؤلاء الذين عاشوا في زمن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يخاطبون بأنهم قتلوا الأنبياء؟. وكم بين ذلك اليهودي الذي في زمن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- زمن تنزل القرآن وبين أولئك اليهود السابقين قبل مئات السنين الذين قتلوا الأنبياء، أليس الفارق مئات السنين؟. ما الذي جعله أن يخاطَب بأنه قَتل؟ لأنه تولى أولئك عدّهم السلف الصالح له، فتولاهم. فأصبح حكمه حكمهم فقيل له: أنت قاتل هذه خطورة الموالاة، خطورة التولي، ما يمكن فعلاً أن تكون شريكاً لليهود في عملية إفسادهم في العالم.
وهذه القضية ليست قضية عادية، قضية رهيبة جداً، فيأتي الإنسان يوم القيامة فيرى أنه عاش في منـزله لم يظلم أحداً، ولا أخذ حق أحد، فتأتي يوم القيامة وأنت شريك في إفساد ذلك الإنسان في أقصى الأرض، أقصى مشرق الأرض وأقصى مغربها، وأنت شريك في إفساد كل إنسان داخل هذه المعمورة كلها، شريك في ظلم كل إنسان.
قضية التولي خطيرة جداً جداً، لا يكاد يكون هناك شيء أبلغ من خطورتها، فتأتي يوم القيامة فتجد كم ملفات من الجرائم أنت شريك فيها، فتقول: من أين هذا؟ هذا الشخص لا أعرف اسمه. ماذا عملت به؟، اسم إنجليزي، اسم فارسي، اسم عربي، من هذا؟ لأنك توليت من ظلموا الناس؛ لهذا قال الله هنا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، ستكون ظالماً، وظلم اليهود أليس ظلماً للبشرية كلها؟
التولي الصحيح
لن يكون من حزب الله إلا من؟ من يتولّى التولي الذي رسمه الله هنا في القرآن: ﴿اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ علي بن أبي طالب حينئذٍ سيكونون هم كما كرر من جديد: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ فسيصبح من حزب الله، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ فيما بعد، يعني ﴿الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ لكن القرآن لا يخاطب أطفالاً بل يخاطب عرباً فاهمين، أن الذين آمنوا فيما بعد تعني الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، سيكونون حزب الله فعلاً، وحزب الله لا بد أن يكونوا غالبين.
هذا يبين بأن المسألة حتى غير متروكة لك فتتأثر بهذا أو بهذا دون مقاييس إلهية وأنت تتولى الأعلام الذين الله سبحانه وتعالى هو الذي اختارهم وعينهم وحددهم حتى تتولاهم فتسلم من أن تكون عرضة لزيف الولاءات وصنع أعلام هي في الواقع تضر القضية التي أنت تتولاه من أجلها، تضر بالقضية نفسها التي أنت تتولاه من أجلها، أما هنا فالتولي صحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة فإن الولاية تعطي ثمرتها، ألم يقل هنا ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ طالبان ماذا عملوا؟ ألم ينسحبوا من المدن ويتبخروا؟ ولم ندر أين ذهبوا؟ هل غلبُوا أم غُلبُوا؟ غُلبُوا أو تَغَالبوا لأن القضية هي كلها خداع ووهم، كلها تزييف وتضليل، حتى لا يبقى منفذ للآخرين لأن يضعوا هنا أو هنا من جانبهم شخصاً آخر وهمياً علماً من أعلام الباطل؛ لأن الآخرين شغالين حتى وإن كان الله قد وضع هم يحاولون أن ينصبوا، ألم يختر علياً علماً للأمة فنصبوا لنا آخرين؟ ألم يختر الزهراء لتكون علماً بالنسبة للنساء وقدوة للنساء سيدة نساء العالمين فنصبوا أخرى؟. هكذا يعمل بدو أهل الضلال خلي عنك الخبثاء والمحنكين والدهاة منهم. إذاً فالمسألة مهمة.
يجب أن نلتف حول القرآن وأن نكون صادقين في ولائنا للإمام علي وأن نعرف أهمية التولي للإمام علي عليه السلام وإن كنا نرى أن بيننا وبينه ألف وأربع مائة سنة.
مفهوم الولاية
يعرف الشهيد القائد الموالاة بقوله: (الموالاة معناها: المعية تشعر بأنك في هذا الجانب تؤيد هذا الجانب متجه إلى هذا الجانب، هذه هي الموالاة سواء كانت موالاة لأولياء الله أو موالاة لأعداء الله، الموالاة معناها: المعية، المعية في الموقف، المعية في الرأي، المعية في التوجه، المعية في النظرة، هذه هي الموالاة.)
هنا يعطينا فهماً بالنسبة للولاية في الإسلام، عندما نقول: السلطة في الإسلام كيف هي؟ عندما تعود إلى القرآن الكريم ترى في سور كثيرة، في آيات كثيرة، وعندما تعود أيضاً إلى واقع الحياة، تتأمل في السماوات والأرض وما بينهما من خلق الله تجد أن ولاية الله سبحانه وتعالى هي ولاية رحمة، ولاية رعاية، ولاية تربية، ليست مجرد سلطة هكذا، سلطة قاسية، أوامر ونواهي فقط، ولاية رحمة بكل ما تعنيه الكلمة. عندما تأتي إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وتتعرف عليه من خلال القرآن الكريم، ومن خلال ما نعلمه من سيرته (صلوات الله عليه وعلى آله) تجد أيضا أنه كان يجسد هذه الولاية ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. عندما تأتي إلى ولاية الإمام علي نفس الشيء.
إذًا فهذا هو مفهوم الولاية في الإسلام، وهذه هي مهام الولاية في الإسلام، ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة، وتجبر وتسلط وقهر، وأشياء من هذه.. أبدًا؛ لأنه فعلا يحصل تساؤلات كثيرة حول النظام السياسي في الإسلام، أو حول السلطة السياسية في الإسلام، وأشياء من هذه، هو أساسا السؤال من أصله غير صحيح؛ لأنه في واقع الناس ليس هناك فصل ما بين سياسة، واقتصاد، واجتماع، وثقافة، وتربية، ورعاية، وأشياء من هذه، ليس هناك فصل فيما بينها.