( من دلالات جمعة رجب.) … كيف حصّن اليمنيون هُــوِيَّتهم من الضياع ؟))

( من دلالات جمعة رجب.) … كيف حصّن اليمنيون هُــوِيَّتهم من الضياع ؟))

حتى يتسنى لأعداء الأُمَّــة السيطرة عليها والتحكم في حاضرها وتشكيل ملامح مستقبلها، بما ينسجم مع مخطّطاتهم، كان لا بُـدَّ لهم أولاً من بتر الروابط التي تجمع أبناء الأُمَّــة، وعزلهم عن تاريخهم الذي شكل ملامح هُــوِيَّتهم، وطمس أَو تشويه عقيدتهم، لما لها من دور في غرس قيم الكرامة والحرية في نفوسهم.

أرادوا أن يكون أبناء الأُمَّــة ليس أكثر من كائنات حية تسهلك أيامها في البحث اللاهث عن مصادر العيش -أي عيش، ومن أي مصدر- أفراداً وجماعات، وليس في قائمة اهتماماتهم الدفاع عن أوطانهم، ولا يلتفتون إلى من يحكمها، أَو يتحكم في مصائرهم، وينهب مقدراتهم.

ولقد كانت اليمن وما زالت على رأس قائمة مطامع العدوّ، ليس فقط لأهميّة جغرافيتها، أَو فقط لما تمتلكه من مقدرات وموارد طبيعية هائلة، بل لمكانة هذا البلد في التاريخ الإسلامي، ولما لدى الشعب اليمني من تراث ديني أصيل، إضافة إلى الرصيد الأخلاقي، والتركيبة الاجتماعية المتفردة، وهي عوامل حصّنته من كُـلّ محاولات تحريف الهُــوِيَّة الايمانية.

بل وأصبح هذا الشعب في موقع الحارس للعقيدة الإسلامية، ورأس حَرْبَة في معركة التصدي للمشاريع الاستعمارية، ومقاومة كُـلّ مخطّطات التآمر.

لهذا حرص أعداء الأُمَّــة كُـلّ الحرص على وضع وتنفيذ مخطّطات أرادوا عبرها إعادة تشكيل الإنسان اليمني فعملوا جاهدين ومنذ عقود طويلة على إفراغ روحه من كُـلّ ما له علاقة بتاريخه، وعقيدته، وتراثه، وُصُـولاً إلى طمس هُــوِيَّته.

فأنكروا عليه حتى الاحتفال بذكرى مولد نبيه -عليه وعلى آله الصلاة والسلام.

كما عملوا على شن حرب فكرية وطائفية عبر أدواتهم في المنطقة، فظهرت فتاوى تكفير كُـلّ من يعمل على إحياء ذكرى الثورات العظمى في التاريخ الإسلامي، كثورة الحسين عليه السلام.

كما عملوا على شن حرب فكرية وطائفية عبر أدواتهم في المنطقة، فظهرت فتاوى تكفير كُـلّ من يعمل على إحياء ذكرى الثورات العظمى في التاريخ الإسلامي، كثورة الحسين عليه السلام.

واستمرت مخطّطاتهم وُصُـولاً إلى محاولاتهم الكبيرة لدفع الشعب اليمني -أَوْ على الأقل جزء كبير منه- إلى أن استبدال عقيدتهم الإسلامية، بعقائد أُخرى مشبوهة، ومشوهة، ورديئة ومتردية، في مقدمتها العقيدة الوهَّـابية التي تم تقديمها بغلاف إسلامي، وينتحل رموزها القاب دينية إسلامية، بينما يعملون وبكل إخلاص على ترويج سنن ومخطّطات الشيطان الأكبر.

أراد أعداء اليمن والأمَّة، أن يعفروا بالسوء وجه الإسلام، ذلك الإسلام الذي عرفه اليمنيون أول ما عرفوه عبر إمامهم علي بن أبي طالب عليه السلام، في أول جمعة من رجب الحرام.

ولأن (ذكرى جمعة رجب) محطة مهمة تشد اليمنيين إلى دينهم وتربطهم بالإمام علي -عليه السلام- وتذكرهم بمكانته ودوره كصمام أمان للعقيدة الإسلامية.

فقد عمل العدوّ بكل الوسائل على محو قيمة هذه الذكرى، ودلالاتها من الذاكرة اليمنية، ودورها في تشكيل الهُــوِيَّة الإيمانية للشعب اليمني.

وحين لا يصبح لدى الإنسان هُــوِيَّة، ولا يرتبط بتاريخ، ولا تهز مشاعره الذكريات المجيدة.. يصبح مُجَـرّد كائن هلامي، رخو، لا تحدّده ملامح ثابتة، وتجره حبال الأهواء.. يهيم في الفراغ، وتكون روحه شاغرة، يمكن لشتى الأفكار والمذاهب أن تستوطنها.

لكن الواقع أثبت عجز أعداء الأُمَّــة عن تدجين الشعب اليمني وإيصاله إلى هذه المرحلة.

فهذا شعب قلّده محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وسام (الإيمان يمان والحكمة يمانية).

وفي كُـلّ مراحل التاريخ، استعصى اليمنيون على كُـلّ محاولات التجيير لصالح المشاريع والعقائد المشبوهة.

فحافظوا على دينهم نقياً من الشوائب، كما قدمه لهم حيدرة في أول جمعة من رجب.

وقد عبقت نفوسهم برحيق الحرية الذي فاح به دم الإمام الحسين عليه السلام، وما يستهل مواليدهم النطق إلا بحروف (هيهات منّا الذلة).