نحن ليس في عقائدنا: أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يشفع لأهل الكبائر فيدخلون الجنة بشفاعته دون أن يكون قد حصل منهم في الدنيا توبة، ولا تصميم على التخلي عن تلك الكبائر، ولا رجوع عنها كما هي عقيدة الآخرين. نحن عقيدتنا: أن من مات عاصيا لله سبحانه وتعالى متجاوزا لحدوده وإن كان يقول: لا إله إلا الله، وإن حمل اسم الإيمان فإنه فعـلًا ممن ينطبق عليه وعيد الله للمجرمين وللعاصين وللمتجاوزين لحدوده {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} (الانفطار:16) ونحن من يجب أن يكون إيماننا قويا، وخوفنا من الله عظيما.
لأن أولئك يطمئنون أنفسهم بالشفاعة وهي وهمية على ذلك النحو الذي يقولون هم، أما نحن فليس في عقيدتنا الشفاعة – على ذلك النحو – لأهل الكبائر، فنحن من يجب أن نخاف الله سبحانه وتعالى على ألا نكون في واقعنا تاركين لشيء مما يجب علينا أمامه فنكون بذلك مرتكبين لكبيرة، نكون مرتكبين لكبيرة من كبائر العصيان التي تؤدي بالإنسان إلى الخلود في النار.
الزيدية يجب أن يكونوا أكثر المسلمين اهتمامًا، وأن يكونوا أول المسلمين انطلاقة في مواجهة أعداء الله، وأن يكونوا أكثر المسلمين وعيًا إيمانيًا؛ لأن معتقداتهم خطيرة جدا عليهم، وليس شيئًا انتحلوه أو بحثوا عن التثقيل على أنفسهم؛ إنه منطق القرآن، إنه هو الذي هدد بالخلود في النار لمن يتجاوز حدوده حتى فيما يتعلق بقسمة المواريث ناهيك عن الأعمال الأخرى التي يترتب عليها إقامة الدين، والحفاظ على الدين، وعلى الأمة.
ونحن إذا رجعنا إلى أنفسنا فعلًا نجد أننا ما نزال – وإن كانت معتقداتنا من حيث المبدأ صحيحة – لكن هناك نقصًا كبيرًا في وعينا، وعينا للواقع من حولنا، ووعينا لما يمكنا أن نعمله.. لدينا المراكز منتشرة في مناطق كثيرة.. مراكز فيها أساتذة وفيها طلاب علم، كنا نسمع من بعض الشباب داخل هذه المراكز ممن قد تجاوز دورتين أو ثلاث ويرى أنه قد اكتمل إيمانه فهو يبحث عن ماذا بقي أن نعمل، يجب أن نعمل شيئًا.. ثم وجدناهم أنفسهم وإذا بهم في هذه الأيام على الرغم مما تكرر من جانبنا من حديث حول أهمية رفع شعار: الموت لأمريكا والموت لإسرائيل يواجهون هذا الكلام ببرودة وكأنه شيء لا أهمية له ولا قيمة له.
إذاُ فلنقل: نحن لا نزال في وعينا قاصرين جدا.. إذا كنت بعد لم تفهم وأنت تسمع تهديد أمريكا لدول الإسلام والمسلمين جميعا وللدول كلها داخل هذه المنطقة، وأنت من سمعت أن هذا الشعار كان يعمل عمله، وهذا الشعار الإمام الخميني هو الذي وضعه وهو الشخص الحكيم الذكي الواعي.. ثم لا ترفع هذا الشعار.. أليس هذا يدل على أن وعيي ما يزال قاصرا، وأنا أحمل اسم أستاذ.. أستاذ يعني: مربي ومعلم داخل هذا المركز، وأعمل جلسات روحية داخل هذا المركز أو ذلك المركز.
إنك لا تستطيع أن تعمل شيئا في أرواح الآخرين إذا لم تهيئ أنفسهم بالشكل الذي يمكن أن يحصلوا على تأييد من الله، وهداية من الله سبحانه وتعالى، هو الذي سيصنع أرواحهم.
الإمام زين العابدين هنا يقـول: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين)) الله هو الذي سيجلس – إن صح التعبير – ليعمل معك جلسة روحية إذا كنت مهيئا لنفسك، أن أجلس معك أريد أن أعمل معك جلسات روحية أهذّب نفسيتك لا يمكن، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (الأنفال: من الآية63).
لو كان منطقي ما كان – وهذا ما كررته أكثر من مرة – أو كان في أوساطنا حتى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو لا يوجهنا إلى تلك الأساسيات في الإسلام التي هي الأسباب الرئيسية لأن يتدخل الله فهو الذي سيصنع في أنفسنا تهذيبا لها، وإكمالا لإيمانها، ويقينًا راسخًا في أعماقها.
كم كنا نرشد – ولا نزال – عن الألفة والأخوة والمحبة وحسن التعامل فلم نجد له أثرًا، حتى عرفنا أخيرًا بأنه فعلا لن يكون لهذا أثر إذا لم يكن لدينا اهتمام بالقضايا الكبيرة التي على رأسها: العمل في سبيل الله، لإعلاء كلمته، ونصر دينه، وفي مواجهة أعداء الله الذين يصدون عن سبيله ويظلمون عباده.
إذا ما توجه الناس إلى هذا، إذا ما وجهت طلابك إلى هذا فإنك من سترى نفوسهم – إذا كانوا يصغون إلى ذلك التوجيه – مهذبة مليئة بخوف الله، بالخشية من الله، وهم من سترى أعمالهم وتعاملهم فيما بينهم حسنًا.
جلسات روحية وأنا لا أعرف بعد: أن التربية الجهادية هي من ستصنع الروح، هي من ستصنع الروح المهذبة، الروح الزاكية، الروح السامية، الروح التي تجعل صاحبها نورا في أي مكان كان، تجعل صاحبها عنصرا خيرا وفاعلا في أي مجتمع كان.
إذًا فلنقل لأنفسنا نحن أيضا، ولسنا فقط نتحدث عن الآخرين، عن الوهابيين أو غيرهم، بل نتحدث أيضا عن أنفسنا: أنه يجب ونحن نعلم في مراكزنا، في مساجدنا، في أي مكان، أن نعي هذه المرحلة التي نحن فيها.
والشيء المؤسف أنها – فيما يبدو – نفسية عربية عند العرب جميعا أنهم لا يحسبون أي حساب للخطر المقبل عليهم إلا بعد أن يطأهم ويقصم ظهورهم.. لكن أولئك هم إذا ما رأوا أن شيئا فيه خطورة عليهم محتملة احتمالا ولو واحد في المائة، ولو بعد مائة عام، هم من سينطلقون للقضاء على منابع ذلك الخطر.
ألسنا نسمع تهديد أمريكا؟ ومن المحتمل جدا أن تضرب السعودية، وتستولي على الحرمين كما استولوا على القدس.. فهل نحن منتظرون حتى يعملوا عملهم هذا ثم حينها سنصيح ونقول شيئا؟! ربما لو صرخ المسلمون من الآن – فيما أعتقد – لو صرخ المسلمون من الآن وارتفعت شعارات السخط التي توحي بسخطهم على أمريكا وإسرائيل من الآن لتوقفت أمريكا، وتوقفت إسرائيل عن أن ينفذوا الخطة التي يريدونها سواء ضد الحرمين، أو ضد أي شعب آخر.
هذه الصرخة وحدها التي نريد أن نرفعها، وأن تنتشر في أي مناطق أخرى وحدها تنبئ عن سخط شديد، ومن يرفعونها يستطيعون أن يضربوا أمريكا، يضربوها اقتصاديا قبل أن تضربهم عسكريا، والاقتصاد عند الأمريكيين مهم يحسبوا ألف حساب للدولار الواحد.
إن هؤلاء بإمكانهم أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية، أو منتجات الشركات التي لها علاقة بالأمريكيين، وباليهود أو بالحكومة الأمريكية نفسها، وحينئذ سيرون كم سيخسرون؛ لأن من أصبح ممتلئا سخطا ضد أمريكا وضد إسرائيل أليس هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية؟ والمقاطعة الاقتصادية منهكة جدا.
بإمكاننا مثلا أن نستعيض بدل التدخين السجائر هذه – وكم يستهلك الناس من أموال كثيرة في السجائر – يمكننا أن نترك التدخين نهائيا، أو أن نستعيض عنها [بالتتن] ونعود إلى [المدايع] من جديد، ونترك التدخين تماما.. وكم سيخسرون فيما لو ترك الناس التدخين بمفرده. احسب كم سيستهلك أبناء هذه المنطقة من أموال في الشهر الواحد في التدخين وحده؛ لتعرف فيما بعد وأنت أمام سلعة واحدة من منتجاتهم كيف ستكون خسارتهم من منطقة واحدة.
هم يحسبون ألف حساب لهذه.. فلو رفع الناس الصرخة هذه في كل بلد فعلا لتوقفت أمريكا وإسرائيل عما تريد أن تعمله. لكنهم يهيئوننا نفسيا ليعرفوا ماذا سيحصل على مستوى الدول، وعلى مستوى الأفراد.
ضربوا أفغانستان ليعرفوا ماذا ستقول الدول الإسلامية.. لم يصنعوا شيئا، اللهم إلا استنكار لما يحصل على المدنيين استنكارا باردا، لكن هل هناك موقف؟ لا، ضربوا العراق لم يحصل شيء، ضربوا فلسطين، الدولة الفلسطينية هذه، أو لم يكن العرب جميعا يبدون أكثر اهتماما بقضية فلسطين والدولة الفلسطينية؟ ضربوها هي! ألم يضربوها ضربة قاضية؟ فلم يحصل شيء من جانب الدول.
اتجهوا إلى الشعوب أنفسها ليتجلى لهم واقع هذه الشعوب عن طريق زعماء هذه الشعوب أن اسكتوا، هنا إرهابيين، وهناك إرهابيين، وفي هذا البلد إرهابيين، وهنا إرهابيين! ولنمسك إرهابيين هنا، وإرهابيين في ذلك البلد! لنرى ماذا سيقول المواطنون، هل سيغضبون على الأفراد عندما يمسكون باسم أنهم إرهابيين ضد أمريكا؟ فإذا عرفوا بأنه لم يحصل غضب، ولم يرتفع صوت يصرخ في وجوههم، حينئذ سيطمئنون أنه لا حكومات، ولا شعوب ستقف في وجوههم. وبالتالي سيعملون ما يريدون، ويضربون أينما شاءوا.
أوليس هذا هو الذي حصل؟ يقال في اليمن: حدث أن مسكوا كثيرا من الإرهابيين، وفي مصر إرهابيين انطلقوا ليمسكوهم، وفي الأردن، وفي السعودية، وهنا وهنا وهناك، وإيران تتهم بأن لديها إرهابيين، إنه احتمال أفراد من تنظيم القاعدة تسربوا إلى إيران. هم يريدون أن يعرفوا، يجسوا نبض المواطن الإيراني نفسه ليعرفوا هل سيصرخ فيما لو حصل واكتشف أن هناك أحد.
بل يحتمل أن يصل أحد من عملائهم إلى داخل إيران من تنظيم القاعدة ليقال فعلا هناك إرهابيين داخل إيران. إذًا سيسلمون، يكون في ذلك جس نبض للمواطن الإيراني نفسه، حينها سيكونون قد اطمأنوا بأن المواطنين في كل بلد لم يصرخوا في وجوهنا عندما مسكنا بعضهم تحت اسم الإرهاب، أنهم إرهابيون ضد أمريكا.
عندما يتهمون البعض بأنه إرهابي ضد أمريكا، أليس هذا هو أكثر ما يمكن أن يثير سخطك؟ أن يمسك شخص يقال بأنه شديد في مواجهة عدوك، هل هذا هو مما يثير سخطك؟
إذًا ليس هناك أي عنوان آخر يمكن أن يثير سخطنا إذا كنا لا نسخط.. إذا كنا لا نغضب.. إذا كنا لا نستنكر ولا نندد ولا نرفع شعار: الموت لأمريكا وإسرائيل، إذا ما مسك أشخاص تحت عنوان إرهابي ضد أمريكا فمتى ستصرخ؟ ومتى سيكون لك موقف؟
هكذا يعملون بكل خبث على أن يجسوا نبض الدول ونبض الأفراد داخل كل شعب. ثم بغبائنا نحن بعد أن عرفنا في أيام الثورة الإسلامية في إيران أن هذا الشعار كان له أثره الكبير، بعد أن عرفنا أن هذا الشعار كان له أثره الكبير عندما كان يرفعه الإيرانيون في الحج، وكان ينظم معهم كثير من المسلمين ليرفعوا هذا الشعار، ثم نحن لا نرفعه!
فمن هو عالم، من هو معلم، من يحمل اسم أستاذ داخل مركز هنا أو هناك ونحن لم نعي بعد أهمية أن نرفع شعارا كهذا فنحن ما نزال ناقصين فيما يتعلق بإيماننا ووعينا وفهمنا.
المؤمن يكون دائما يقضا، دائما مهتما، يبعثه اهتمامه على أن يعرف ماذا يخطط أعداؤه.. ماذا يعمل أعداء الأمة، ويعرف هو أيضا ما الذي بإمكانه هو والآخرين أن يعملوا ضد أعداء الدين، وضد أعداء الأمة، فأي مؤمن لا يعيش هذه الروحية فإيمانه ناقص، ووعيه ناقص.
إذًا فنحن بحاجة إلى أن نربي أنفسنا كيف نكون مؤمنين، ونكرر أن نعتمد بشكل كبير على الثقلين: القرآن والعترة.
ومن الضروري أيضا جدًا أن نرفض تلك الفنون التي عرفنا، وكشفنا، واكتشف لنا بأنها كانت وراء كثير من السلبيات التي نحن عليها: [أصول الفقه]، [وعلم الكلام]، الذي على منطق المعتزلة، وبأساليب المعتزلة.. هذا شيء يجب أن نلغيه من داخلنا، وألا نلتفت إليه أبدا؛ لأنه هو الذي صرفنا عن الثقلين، هو الذي أعطانا النظرة المغلوطة عن الحياة، وعن الدين، وحتى عن الله سبحانه وتعالى.. فعلا، وحتى عن الله حصل لدينا نظرة قاصرة عن الله، وعن الدين، وعن علاقة الدين بالحياة، وربى كل فرد منا تربية فردية، جزّأ ديننا، ثم جزّء أفرادنا، هذين الفنين.
في مجال التربية الإيمانية يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، وإلى العترة، وعلى النحو الذي ذكر الإمام الهادي (صلوات الله عليه) ونحن نتحرك فيما بين القرآن والعترة على هذا النحو: القرآن يدل على العترة، والعترة تدل على القرآن.. وإلا فسنكون أيضا شاهدا – ولو شاهدا مغلوطا في واقعه – على أن الإسلام يقبل الهزيمة، وأن الإسلام لا يمكن أن يقف في وجوه أعدائه.
الزيدية لحد الآن أليسوا هم الذين يدعون بأنهم على حق، وأنهم الطائفة المحقة؟ إذا وقفوا مهزومين في نفسياتهم، إذا وقفوا ساكتين عن أن يكون لهم موقف ضد أعداء الله، أي موقف يكون باستطاعتهم أن يعملوه فإنهم من يشهدون على أنفسهم بأن ادعاءهم أنهم على الحق ادعاء غير صحيح.
أنه وإن كان ما يدعونه في واقعه كمبادئ حق لكنهم في أنفسهم ليست تربيتهم تربية تقوم على أساس ذلك الحق.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الثاني
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 2/2/2002م
اليمن – صعدة