ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت69) تنكشف لهم أشياء كثيرة، يتجلى القرآن لهم بشكل أكثر مما يتجلى لآخرين قاعدين في بيوتهم، أو في زوايا مساجدهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. هذا ما يتميز به هذا الدين، وهذا ما يجعل الأعداء أنفسهم يعرفون عظمته فيتجهون أساساً لمحاولة ضربه هو، وهل يستطيعون أن يضربوه هو؟ لا، يضربوه في أنفسنا، يضربوه في واقع حياتنا، عندما نكون بسهولة قابلين لأن نتخلى عنه
، نبتعد عنه، نبتعد من طريقهم وهم يتجهون إلينا، نفسح المجال لهم يفسدون كيفما يشاءون، يعيثون في الأرض فساداً.
لهذا نلاحظ دائما أنهم لو كانوا يعلمون أن هذا الدين ليست عزتنا متوقفة عليه، ولا قوتنا مرتبطة به، هو لا يمثل قوة لنا، وأنه لا يمثل عزة لنا، ولا علاقة له بوحدتنا، لما بذلوا دولاراً واحداً في سبيل محاربته، لاتجهوا إلينا شخصياً يحاربوننا بأي طريقة، تصفيات جسدية، محاربة شخصية هكذا، كما هو معروف في الصراع، لكنهم يعلمون على الرغم من أنهم يمتلكون أسلحة فتاكة، أسلحة متطورة، أن هذه الأسلحة لو توجه إلى مسلمين، ملتزمين بإسلامهم، يتحركون على أساس توجيهاته، وهديه، فإنهم سيكونون مهزومين أمامهم، مهما كانت قوتهم.
لذلك يسعون أولاً إلى نشر الفساد الأخلاقي، الفساد الثقافي، نشر ما يخلق فرقة في أوساط الناس، ما يبعدهم عن دينهم، ما يشككهم في مبادئه، ما يشككهم في كتابه، في نبيه، هكذا، هكذا حتى يهيئونا لأن يضربونا بسهولة، ومتى ما ضربونا نكون قابلين لأن نهزم، قابلين لأن نهزم أمامهم؛ لهذا تجد أن الإسلام هو الدين الوحيد في هذه المعمورة الذي يحاربه الأعداء من اليهود والنصارى.
هناك ديانات قائمة لماذا لا يحاربونها؟ وثنية ما تزال قائمة يشجعونها، البوذية ما تزال قائمة، ديانات أخرى ما تزال قائمة لا يوجهون حربهم إليها بل يشجعون أصحابها، بل يشجعون أصحابها على أن يبقوا على ما هم عليه، إلا الإسلام، إلا الإسلام.
ماذا يعني هذا؟ أنهم يشعرون بعظمته ربما أكثر مما نشعر نحن؛ لأنهم بعدائهم لنا دائمي التفكير، أن يتعرفوا على ما هو مصدر قوة لنا، مصدر عزة، مصدر أن نكون قادرين على أن نهيمن عليهم، على أن نقهرهم، على.. الخ، فوجدوا هذا الدين.
ولهذا جاء تصريح قبل أسبوع من البيت الأبيض على موقع في الانترنت: أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين، القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين. أليست هذه هي عبارة عداء؟ في الوقت الذي هي عبارة تشهد بأن القرآن هو الذي يصنع رجالاً يقفون في مواجهتهم، عبارة يقولوها من أجل أن يمهدوا لشرعية أن يضربوا القرآن، مدارس قرآنية، علماء قرآن، كلما له علاقة بالقرآن، مناهج ما تزال فيها آيات قرآنية، تضرب كلها بحجة أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين.
وفعلاً طلبوا من مصر تغيير آيات في المنهج الدراسي، ويعملون على أن يفرضوا على السعودية أن تغير المنهج الدراسي، وكذا الأردن. وهكذا يتجهون إلى بقية الدول العربية لتغير مناهجها التربوية، فتزيح ماذا؟ تزيح آيات من القرآن الكريم.
تجدهم لأنهم يفهمون أكثر مما نفهم! حربهم تتركز على شيء واحد بشكل مكثف، ومركز ضد القرآن الكريم، وبعده شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي نفس الوقت اللغة العربية.
هذه الثلاثة الأشياء التي يركزون على حربها: القرآن الكريم رقم واحد في الموضوع، لا يحاولون أن يحاربوا أشياء أخرى، مظاهر أخرى، مساجد كثيرة تبنى، أشياء كثيرة، علماء كثيرون مختلفون، يعتبرون هذا يساعد على خلق فرقة في أوساط الناس، مذاهب متعددة. هل هم يقولون: هؤلاء المسلمين مذاهب كثيرة نحاول ننقصهم، ننقصهم لما لا يعودوا إلا مذهب واحد. هل عندهم الفكرة هذه؟ هم يرون بأن هذا يساعد أفضل تتوسع مذاهب، وعلماء كثير ينتشرون مختلفين، وتكون الساحة كلها ساحة قلقة.
لو أن القرآن الكريم، أو نقول: لو فهموا أن القرآن الكريم كتاب يمكن أن يخلق ماذا؟ آراء متعددة، أفكار متباينة، أقوال متضاربة، لما تعرضوا له إطلاقاً، هل تفهمون هذه؟ لما تعرضوا له. هم لا يتعرضون لكتب الحديث، تعرفوا؟ لا يتعرضون لكتب الحديث، بل يخدمونها، يأتي مستشرقون يضعون فهارس للحديث، كتاب واحد يسهل لك الرجوع إلى أي حديث تبحث عنه، في أي من أمهات، ومسانيد، ومجاميع الحديث، يخدمونها خدمة.
تعدد الطوائف يخدمها أيضاً! هم صنعوا طوائف إسلامية خلال المائة السنة الماضية، والمائتي السنة الماضية، صنعوا طوائف جديدة كالوهابية، والبهائية، والقاديانية، صنعوا هذه الطوائف، طوائف إسلامية.
لماذا يحاربون القرآن؟ لأنهم يعرفون أن القرآن الكريم هو وحده، هو وحده الذي يستطيع أن يبني أمة واحدة، هو الذي يستطيع أن يبني أمة قوية، وأن لغته اللغة العربية التي هي أساس من أسس فهمه يجب أن تحارب، يجب أن تقصى، أن تعمم بدلاً منها اللغة الانجليزية، أن نترك الشباب يشعرون بإعجاب، بعظمة، عندما يتعلمون اللغة الإنجليزية.
حرب شعواء ضد اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء195) {قُرْآناً عَرَبِيّاً}(يوسف2) أكثر من ثلاث آيات تحدث الله عن القرآن أنه عربي، باللغة العربية، بلسان العرب.
فنون أخرى لا يتعرضون لها، فنون أخرى مما يقطع الكثير منا أوقاتهم وهم منهمكون في دراستها لا يتعرضون لها، حتى وإن كانت باسم علوم إسلامية، حتى وإن قدمت في أوساطنا بأنها من آليات فهم القرآن الكريم، من آليات استنباط الأحكام الشرعية، من آليات كذا. لا يتعرضون لها، يرون أنها تخدم القضية.
القرآن الكريم، وأكرر؛ لأنهم يعلمون أنه كتاب يستطيع أن يصنع أمة واحدة، وأن من يلتفون حوله لن يفترقوا، لن يختلفوا، سيكونون كما قال الله: معتصمين بحبل واحد، عندما قال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(آل عمران103) ركزوا حربهم على القرآن الكريم.
هناك فنون أخرى – كما قلت – لا يتعرضون لها، يرونها أنها تساعد في خلق فرقة في أوساط الناس، وتعدد في أقوالهم، واختلاف في وجهات أنظارهم، وتخلق لدى كل شخص منهم مشاعر انفرادية، استقلالية؛ فيظل لوحده، يدور حول نفسه، لا يفكر في أن يذوب في الآخرين، فيكون مجسداً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71).
حاولوا مع ذلك لما وجدوا أن هذه الفنون بعضها تخدم، تخدم أهدافهم، تفرق، تمزق الصف الواحد، أضافوا شيئا آخر: حرية الرأي والرأي الآخر، حرية الاعتقاد، حرية الكلمة، حرية الصحافة، حرية، حرية!.
ما هذا الذي نزل في الساحة؟ من أين جاء هذا؟ ألم يأت من عند الأمريكيين؟ من عند أعداء الإسلام والمسلمين؟ هل قدموا هذا حرصاً منهم علينا، أو رحمة منهم بنا، هم يسهرون علينا، يسهرون نومهم من أجلنا؟! لا، هم كانوا في الماضي يُعدّون هذه الأمة للحظة التي يمكن أن ينقضوا عليها.
وهو ما هو حاصل الآن، هو ما هو حاصل الآن، بعد أن قلنا: اجتهادات، وترجيحات! قالوا: وسنزيد لكم، أنتم معكم من داخل المساجد هذه الفكرة، وأيضاً سنزيد لكم، لازم، حرية الأحزاب، أحزاب متعددة، حرية الكلمة، حرية الرأي والرأي الآخر، حريات، حريات، حريات، وهم يعرفون أن النتيجة في الأخير ماذا؟ تفرق، تفرق، تجزء، لما نصبح قِطَع، وفي الأخير يهاجموننا بمنطق واحد، بموقف واحد، ألم يحصل هذا؟ يعبر عنهم زعيم واحد [بوش]، ويتحرك بموقف واحد، تحت اسم: [مكافحة إرهاب].
وهنا أقفلوا كل هذه الأشياء التي كانوا يقولون لنا: حرية، وأشياء من هذه، ألم تقفل الآن؟ يقول زعماء العرب: نريد أن نجتهد في تفسير كلمة: إرهاب، ممنوع، أُغلق باب الاجتهاد، أغلقوا باب الاجتهاد! رجال يعرفوا كيف يشتغلوا.
دروس من هدي القرآن الكريم
محاضرة الإسلام وثقافة الإتباع
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2/9/2002م
اليمن – صعدة