الحديث عن الشهيد الصماد حديث ذو شجون فهو ينبش في القلب جرحا عميقا غائرا يصعب احتمال آلامه ليس لكونه شخصية استثنائية خسرها الشعب اليمني بشكل عام فحسب ولكن أيضا بحكم الصلة الوثيقة التي ربطتني بالشهيد الصماد منذ ثورة 21 سبتمبر 2014م حتى الليلة الأخيرة من استشهاده في 19 ابريل 2018م إلا أنني رأيت ونحن في الذكرى السنوية لاستشهاده أن نسلط الضوء على مجموعة نقاط تمثل صفحات مضيئة ومشرقة في شخصية وحياة الشهيد الصماد رحمة الله عليه.
فإلى تلك الصفحات المضيئة:
(الصفحة الأولى)
كان لدى الشهيد الصماد ارتباط إيماني ومعرفي وثقافي دائم ومستمر بالقرآن الكريم ومحاضرات الشهيد القائد والسيد القائد عليهما السلام وهذا الاتباط الوثيق بمصادر الهداية هو الذي هذب روحه وأخلاقه وأكسبه الرؤية العميقة والنظرة الواسعة والمنطق الحكيم وقد انعكس ذلك الارتباط في سلوكه الراقي مع الناس وتعامله الواعي مع المسؤولية كما تجلى ذلك في خطاباته التي كانت مليئة بالآيات القرآنية وفي المضامين التي كان يقدمها في خطاباته وكلماته يلحظ الجميع بأنها كانت كلها مستقاة مما قدمه الشهيد القائد والسيد القائد في محاضراتهما وخطاباتهما، ومن مظاهر هذا الارتباط أن الشهيد الصماد كان يخصص ساعة من يومه لقراءة القرآن وقراءة ملازم الشهيد القائد ومحاضرات السيد القائد قراءة من يريد أن يفهم من يريد أن يهتدي بها لا يمنعه من ذلك مانع ولا يصرفه عن ذلك عارض ومن مظاهر تبجيله وتقديسه للهدى أنه كان يتولى بنفسه قراءة القرآن الكريم في الاجتماعات وكذلك يتولى تقديم محاضرات الشهيد القائد أو تعلميات السيد القائد في أي لقاء أو اجتماع في إطار عمله وذلك من باب الجدية في التعامل معها واستشعارا منه لأهميتها.
(الصفحة الثانية)
تميز الشهيد الصماد بالولاء الخالص وحبه الشديد للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه إلى درجة أنه كان يبكي عندما يتذكر المظلومية التي تعرض لها الشهيد القائد وقد ارتبط الشهيد الصماد بالشهيد القائد منذ الأيام الأولى لانطلاقة المشروع القرآني يوم كان الشهيد القائد يقدم الدروس والمحاضرات في منزله بمران يوم وفد عليه الشهيد الصماد مع مجموعة من بني معاذ ودخل مجلس الشهيد القائد وجلس هو وأصحابه بين الحاضرين ليستمع إلى الشهيد القائد عن قرب بعدما كان يسمع الاشاعات والأكاذيب فقد أراد من خلال زيارته للشهيد القائد أن يتحقق من تلك الاشاعات بنفسه فلما سمع كلام الشهيد القائد عرف الحق والهدى وعرف منطق القرآن الذي يعلو ولا يعلى عليه وتبين له كذب كل تلك الاشاعات والأقاويل والأكاذيب والتحق بالمسيرة القرآنية وجاهد تحت رايتها إلى أن لقي الله شهيدا على نهج الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه..
(الصفحة الثالثة)
الارتباط الروحي العميق والتسليم العملي الكامل للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي وقد تجلى ذلك الارتباط في كل مراحل حياته الجهادية خاصة بعد استشهاد الشهيد القائد في الحرب الأولى إلى آخر لحظة من حياته، ومن مظاهر ذلك الارتباط الوثيق والعملي بالقيادة أنه كان على تواصل يومي مع السيد القائد يستقي من معينه الصافي الهدى والنور والحكمة ويأخذ منه التعليمات الحكيمة والارشادات السديدة ويرجع إليه في كل أموره وتوجهاته وتحركاته بل إنه كان يسعد بكل اتصال حتى ليخيل إليك وأنت تشاهد فرحته أنه حصل على شيء ما أسعده بشكل كبير إلى درجة أن سعادته تنعكس على من حوله من العاملين، ومن مظاهر حرصه على استيعاب وتفهم التوجيهات القيادة أنه كان يعد العدة قبل الاتصال مع السيد القائد فيحرص على أن يكون وحيدا وقت الاتصال حتى لا يشغله أحد وكان يجهز القلم والدفتر ويدون كل ما يطرحه السيد القائد في الاتصال وبعد الاتصال يتحرك مباشرة في التنفيذ فلا يؤجل ولا يتردد ولا يتوانى في تنفيذها.
وأذكر هنا قصة حصلت معي أنه ذات مرة اتصل عمليات الشهيد الصماد علي وصادف أن تلفوني كان مفقودا ولأني لم أجب عليهم قرروا الاتصال على بعض الإخوة يسألون عني وبإلحاح شديد وبرروا ذلك بأن الصماد يريد أن يكلمني فأخبروهم أن تلفون الأخ فضل مفقود ثم عاودوا الاتصال بهم ثانية قالوا بأن صاحبنا يعني الصماد وجه بشراء تلفون مستعجل فقالوا بأن الأخ فضل أصلا قد مشى البيت كان الوقت بعد العشاء ووقت نزول المطر وكنت وسط السائلة ويبدو أنهم طلبوا منهم رقم الأخ الذي كنت راكبا معه في سيارته الصغيرة عائدا إلى البيت وإذا بنا نتفاجأ باتصال من الشهيد الصماد على رقم الأخ ثم ناولني التلفون فقال الصماد وينك قلبنا عليك الدنيا فشرحت له الحالة التي أنا عليها فقال أريد أبشرك عادنا كملت الاتصال مع السيد حفظه الله
لآن كلمني من عملنا الذي عملناه احنا وإياك بشأن الموضوع الفلاني وقال بأن السيد مرتاح جدا للعمل الذي قمنا به ويشكرنا ويدعي لنا وعلق الشهيد الصماد قائلا هذه نعمة نحمد الله ونشكره نريد أن نبذل جهدا أكبر في العمل حتى يرضى الله عنا ويرضى السيد فحمدت الله وشكرته واستبسرت وسعدت إلا أنني كنت أتمنى أن يصلني هذا الخبر المفرح وأنا في مكان مستقر وليس وسط السائلة وقت المطر في سيارة صغيرة متوقع في أي لحظة متى سيجرفنا السيل.
وهذه القصة رغم أنها بسيطة إلا أنها تمثل شاهدا واحدا من شواهد كثيرة تدل على مدى حرص الشهيد الصماد على سرعة الاستجابة لتوجيهات السيد حفظه الله فلم يكن ليتأخر الشهيد الصماد لحظة واحدة في إبلاغ وتنفيذ التوجيهات السيد يحفظه الله مهما كانت الظروف والصعوبات والتحديات.
(الصفحة الرابعة)
كان الشهيد الصماد رئيسا للمكتب السياسي لأنصار الله فكان في عمله السياسي يتحرك من منطلقات ايمانية باعتبار السياسة جزءا لا يتجزأ من الدين ليست السياسة شيئا منفصلا عن الدين ولا تعني له الكذب والخداع والمكر والانتهازية والابتزاز والمتاجرة بالمبادئ كما هو معروف لدى البعض من السياسيين بل السياسة جزء أساسي من مسؤوليتنا الدينية وهي نابعة من القيم والمبادئ والأخلاق القرآنية فهو يتحرك سياسيا وفق رؤية قرآنية تمنحه نظرة صحيحة للواقع وللأحداث من حوله وتعطيه تقييما دقيقا لأسباب المشكلات وكيفية معالجتها وكان فاهما لطبيعة الصراع مع الأعداء وواقع البلد ويقدم الرؤية الصحيحة والدقيقة والموضوعية في التعاطي مع كل المستجدات.
التقينا بالسيد القائد سلام الله عليه بمعية الشهيد الصماد فقال لنا بأنه يجب أن تكون منطلقاتنا قرآنية ورؤيتنا في العمل السياسي نابعة من الثقافة القرآنية وأن يكون خطابنا السياسي مطبوعا بالطابع القرآني، وهكذا كان الشهيد الصماد فمن يتابع ويسمع خطاباته يدرك أنها ليست سياسية جافة فهي تتناول القضايا السياسية المحلية والخارجية بطريقة قرآنية وبأسلوب قرآني وبمقدمات قرآنية وبآيات قرآنية ويقدم بذلك نموذج جديد للسياسة في ثقافة الأنصار السياسية التي كلها قيم ومبادئ وأخلاق نابعة من صميم الثقافة القرآنية.
وكما كان حريصا على تقريب وجهات النظر في مختلف القضايا وعلى الوفاء بالعهود والمواثيق والاتفاقيات والالتزامات تجاه الآخرين في كل مراحل عمله السياسي فقد كان حريصا أيضا على نشر الوعي في أوساط النخب السياسية في كل اللقاءات والاجتماعات ويحرص على شد الجميع نحو الأولويات وقضايا الأمة المركزية وعلى التركيز على فضح الأعداء وفي المقدمة أمريكا وإسرائيل وكشف مخططاتهم التي تستهدف بلدنا والأمة بشكل عام وكان حريصا على تصحيح المفاهيم وتصحيح النظرة وفضح العناوين الزائفة التي يشتغل عليها الأمريكي للتضليل على الشعوب وكان يتحرك في كل ذلك وفق قاعدة عين على القرآن وعين على الأحداث.
(الصفحة الخامسة)
كان بحق نموذجا راقيا لرجل الدولة والمسئولية المؤمن العادل المخلص لربه والوفي مع شعبه، تولى رئاسة المجلس الأعلى ونهض بمسؤوليته في ظل ظروف صعبة للغاية بسبب العدوان والحصار وما خلفه من تداعيات كبيرة على مؤسسات الدولة وكذلك نتيجة العراقيل التي كان يصنعها عفاش ولوبيات الفساد المرتبطة به في مؤسسات الدولة.
بعد فتنة ديسمبر 2017 اجتمع بنا الشهيد الصماد وقال كنا نعاني في الفترة الماضية صعوبات كبيرة تعيق أي توجه نحو تفعيل وإصلاح مؤسسات الدولة ولكن الان نحن أمام فرصة كبيرة لبناء الدولة اليمنية القوية والعادلة وأن هذا هو توجه السيد القائد.
كان يبذل جهدا كبيرا في استنهاض مؤسسات الدولة وكان يقوم بنزولات ميدانية وزيارات متكررة لمقرات الدولة ومكاتبها ومسؤوليها باعثا فيهم روح المسؤولية حاثا لهم على القيام بواجبهم في خدمة الناس ومعالجة الاختلالات ومواجهة التحديات التي فرضها العدوان والحصار على بلدنا.
كان يتحرق ألما ويتقطع حزنا وكمدا على الأوضاع التي تعيشها مؤسسات الدولة وعلى المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني فكان يعمل ليلا ونهارا من أجل إصلاح الوضع وخدمة الناس حتى اقتربت الذكرى السنوية للصمود 26 مارس 2018 قال لي قبلها بأيام قليلة بأنه سيلقي في هذه المناسبة خطابا للشعب يعلن فيه مشروع بناء الدولة اليمنية القوية والعادلة تحت شعار يد تحمي ويد تبني ويريد أن يتحرك الجميع في إطار هذا التوجه لأنه توجه القيادة ويجب أن نساند هذا التوجه وأن نسعى جميعا للتعاون في إنجاحه قلت له بأننا سوف نسعى لحشد القوى والمكونات السياسية خلف هذا التوجه وهذا ما حصل فقد أصدر المكتب السياسي والقوى والأحزاب السياسية في يوم 28 مارس 2018 بيانات المباركة والتأييد.
لقد كان الشهيد الصماد يحمل هما كبيرا ونظرة بعيدة ورؤية استراتيجية منطلقا في ذلك كله من ثقافته القرآنية وتوجيهات القيادة.
قال لي الشهيد الصماد فيما بعد بأن سبب إطلاقه هذا المشروع بأنه يريد اليمن دولة قوية تكون اللبنة الأولى في مشروع المسيرة القرآنية العالمي.
(الصفحة السادسة)
المرة الوحيدة التي طلب مني فيها الشهيد الصماد تغطية إعلامية عندما نزل لزيارة بني صريم في مديرية خمر بعمران في تاريخ 19 مارس 2018 وكان لقاء شعبيا فعندما انتهى من اللقاء اتصل لي مباشرة قال لقد نزلت بني صريم والتقيت بالناس هناك وكلهم مسلحين ولو يجي تغطية اعلامية لهذه الزيارة فسيكون لهذا أثر على دول العدوان ذلك أن هاشم الأحمر قال للعدوان بأنهم إذا عينوه قائدا للمنطقة السادسة فسوف يحشد بني صريم وبقية مناطق عمران للانضمام إليهم والقتال في صفوفهم وأن كل هذه المناطق في يده ونحن نريد أن نثبت للعدوان من هذه الزيارة أنه لا يوجد أحد معهم ولا مع هاشم وأن الجميع ضد العدوان وأنه لا يوجد معهم حتى واحد يرفع لهم بلاغ عن الزيارة لاستهدافنا فما بالك بالتحرك معهم والقتال في صفهم هذا سوف يشكل لهم ضربة وانتكاسة.
هكذا كان يفهم الشهيد الصماد أهمية الاعلام كجبهة هجومية مهمة ضد الأعداء وليس روتينا اعتياديا.
كما كان يقول الشهيد الصماد إن الحرص على تلميع النفس في وسائل الاعلام يعتبر مؤشرا على عدم الاخلاص لله فهناك من يتحرك من أجل تلميع نفسه وهناك من يشتغل بعيدا عن الأضواء إلا ما تقتضيه ضرورة المواجهة مع العدو.