لصنعِ سلامٍ حقيقي وَمستدام بين طرفين على سبيل المثال، يجبُ أن تكونَ هناك قناعةٌ مشتركةٌ لدى الطرفين بأن خيارَ السلام يمثلُ حاجةً مشتركةً، لا تقتصر مكاسبُ إحلاله أَو خسائر نقضه على طرف دون الآخر، وَبمعنى آخر يجبُ أن يكونَ لدى كُـلّ طرف المقومات وَالدوافع الكافية للوصول إلى هذا الخيار “السلام”، وَمن ثَم صناعته بطريقة عادلة.
في الحالة اليمنية السعودية لن تنجحَ مساعي السلام إلَّا تحت هذه القاعدة، فالمملكةُ كانت ترى اليمن كملحقٍ لها قابل للتطويع وَفرض الخيارات التي تطرحها هي عليه لتحقيق سلام منقوصِ الندية غيرِ متكافئ المكاسب والخسائر؛ لذا كان السلامُ اليمني معها في المراحل السابقة محكوماً بأمزجة نظامِها وَقُدرته على فرض الخيارات التي يريدها هو في الوقت الذي يريد.
لكن، وَمع شجاعةِ وَاستقلاليةِ القرار السياسي في هذه البلد وما لحقه من تنامي القوة العسكرية اليمنية وَجُرأة الرد بالمثل وَالتي باتت تتعزز عاماً بعد عام، صار من الممكن الحديثُ عن سلام يضمنُ للبلدين مصالحَهما كاملةً.
وبالتالي نحن نرى في العمليات العسكرية المتوالية لليمن في العُمقِ الحيوي للمملكة وَآخرُها العمليةُ الكبرى وَالمبهرة التي استهدفت موقعاً حيوياً هاماً أقصى شرق المملكة، خطوةً جديدةً إلى إحلال السلام وَإبرازه كحاجةٍ مشتركةٍ.
وَإذَا ما أعادت المملكةُ مراجعةَ قناعاتها بشكل تنجحُ فيه من فَهمِ الواقع الجديد الذي يتشكل في اليمن، وَعلى قاعدة إحصاء الخسائر وَالمكاسب المتوقعة من بقاء الحرب مع هذا الجار اليمني الذي بات مزعجاً وموجعاً في رده العسكري، لكنه في المقابل يعرب عن استعداده دوماً للمصافحة.
لذا نقولُ للمنظومة الأُممية التي لطالما ادّعت انحيازَها للسلام، وَعلى افتراض أنها جادةٌ في ذلك: إنَّ هذه الضرباتِ النوعيةَ التي تنفذُها اليمنُ تزيدُ من جدية حديثكم وَتدعمُه بالمعطيات الكفيلة لفرضِه كخيار دائم، وَحاجةٍ مشتركة وَملحة.. لا مكرُمة يمُنُّ بها طرفٌ على الآخر.. وَلا مجالَ فيه بعد اليوم في أن يكون مفخخاً بالاشتراطات المجحِفة.