قرأت كتاب 33 استراتيجية للحرب، والذي يقع في 673 صفحة لكاتبه روبرت غرين، علِّي أجدُ سِرًا يكشفُ جانبًا من معجزة معركة البنيان المرصوص، أو أقفُ على استراتيجة واحدة سارت عليها المعركة، واعذروني إذا قلتُ لكم بأنني فشلتُ في العثور على سطرٍ واحد يُشيرُ إلى مفتاحِ اللغز.
لقد حصرَ الكاتبُ كل الاستراتيجيات التي قد تخطر على عقل قائدٍ عسكري منذ أن بدأت الحروب وحتى اليوم، من "استراتيجية التضاد" إلى "استراتيجية رد الفعل
المتسلسل"
وبين بحثي في ركام هذه الاستراتيجيات الشاملة والتي لم أجدُ فيها ما يشرحُ سير المعركة أو حتى يكشف ملمحًا من ملامحها، كانَ صوتُ شقيق القائد، وقائد المعركة الحاسمة البطل عبد الخالق بن بدر الدين الحوثي يتردد في أذني وهو يقول "هو الله"
ويؤكد قوله "لم يحدث مثل هذا منذ الحرب العالمية الثانية أن يسقط أكثر من عشرين معسكرًا في غضون خمسة أيام".
مواقِفُ الالتحام والاقتحام في المعركة يقفُ لها شعر الرأس،
مشاهِدُ هروب أسراب الدبابات والأطقم والمرتزقة يسجُد لها القلب وهو يتلو
"وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار".
إستبسالُ الأبطال برشاشاتهم الفردية أمامَ جحافل القوة العسكرية تنقلك إلى خيبر وبدر وأحد وحنينٍ والأحزاب،
مواجهةُ البنادق للمدافع والرشاشات الثقيلة تُصوِّرُ لك معنى الآية على الأرض
" ويُثبت أقدامكم".
شاهدتُ التحصينات الخارقة للطبيعة الوعرة، وما أضاف إليها الغزاة وعملاءهم من خنادق وكهوف، وإسمنت ومتارس، وظلَّت الأسئلةُ تُطاردني
"كيفَ هربَ المُحصَّن المُسلَّح بكل سلاح المصانع الغربية؛ مِنْ مُهاجِمٍ لا يحملُ إلا رشاشًا، ويسير على قدميه بدون غطاء؟
كيفَ أصبحَ السباقُ على الهروب حتى انقلبتْ المدرعات، وتدهورت الأطقم، وتدحرجت الدبابات؟
كيف امتلأت الجبال والوديان المُحصنة بالحديد والنار، وفي لحظة امتلأت بالرعب والخوف والوهن والذل والفزع؟
من أرشدَ الأبطال إلى المتارس الحصينة وسدد رميهم إليها أولًا؟
مَن حمى الأباة من مئات الغارات المتتالية فوق المنطقة الملتهبة؟
لقَد زلزلت معركة البنيان المرصوص جدران الغزاة المتساقطة، وأحالتها إلى ركام، ولهذا استدعت مملكة الرياض المغترب المركوز وأهانته، وجاء الأمريكي وأهانه، وجميعهم يسألونه:
"كيفَ سقطَتْ ترسانة أسلحتنا في يد الحوثي؟ وكيفَ هرَبَ نصف مليون مجنَّدْ في الكشوفات أمامَ بضعة آلاف من الحوثيين؟"
وستبقى أسئلتهم وأسئلتنا تبحث عن جواب، وستُصبحُ استراتيجيات حرب الجيش واللجان فريدة جديدة؛ تُدرَّسُ في الكليات، ويأتي إليهم عباقرة العسكريين للتتلمذ والتأدب والمعرفة.
وسيطول بنا البحث في البحث عن أسرار المعركة التي لخصها قائدها البطل عبد الخالق بقوله "هو الله".