أولياء الله دائما وأبدا يتذكرون النعم ويشكرون المنعم

أولياء الله دائما وأبدا يتذكرون النعم ويشكرون المنعم

أيضًا يقول الله سبحانه وتعالى: {حَتّىٰ إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوزعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلىٰ والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَصلِح لي في ذُرِّيَّتي ۖ إِنّي تُبتُ إِلَيكَ وَإِنّي مِنَ المُسلِمينَ} (الأحقاف: من الآية15). ويصف أولياءه سبحانه وتعالى بأنهم يشكرون نعمته فيقول عن نبي الله إبراهيم (صلوات الله عليه): {إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ (120) شاكِرًا لِأَنعُمِهِ ۚ اجتَباهُ وَهَداهُ إِلىٰ صِراطٍ مُستَقيمٍ (121)} (النحل:121) وموسى (صلوات الله عليه) يتمثل شكره لتلك النعمة في قطع عهد على نفسه فيقول: {رَبِّ بِما أَنعَمتَ عَلَيَّ فَلَن أَكونَ ظَهيرًا لِلمُجرِمينَ} (القصص: من الآية17).

من منا يقول هذا؟ من منا عندما يرى أمواله التي تدر عليه مبالغ كبيرة، من منا يقول هذا عندما يرى نفسه أنه أصبح في موقف حق وفي عمل حق؟ وأنه وفق لأن يكون ممن ينطقون بالحق، ويعملون بالحق ممن يهدون بالحق وبه يعدلون فيقطع على نفسه عهدًا أمام الله {رَبِّ بِما أَنعَمتَ عَلَيَّ فَلَن أَكونَ ظَهيرًا لِلمُجرِمينَ} هل تتصورون بأن موسى دخل من طرف مزرعته وفيها ما لا يقل قيمته عن نحو مليونين دولار من ثمار وممتلكات وآليات داخلها فقال: {رَبِّ بِما أَنعَمتَ عَلَيَّ}؟ بل رأى نفسه أنه أصبح إنسانًا استطاع أن يقول الحق، وأن يقف موقف الحق، وأن يقف في وجه الظالمين، فكانت هذه هي النعمة الكبرى.

هذه هي من أهم الأشياء التي تخلق لديك حصانة عن أن تنخدع بالآخرين الذين ينطلقون يثبطون الناس؛ لأنه من هو ذلك الذي يمكن أن يؤثر فيك وأنت ترى ما أنت عليه نعمة عظيمة، ستسخر منه أنت؛ لأنك ترى ما أنت فيه نعمة عظيمة؛ ولأنك تحس بأنك وفقت إلى نعمة عظيمة من خلال مقارنتك أنت للآخرين الذين يبذلون أموالهم وأيديهم وألسنتهم وأنفسهم في طريق الباطل وفي خدمة الباطل، وأنت تعرف أين سيكون مصيرهم، سترى أنت أنك في نعمة عظيمة فتصبح ممن يكون من المستحيل أن يؤثر عليه الآخرون بدعاية أو تضليل أو خداع أو ترغيب أو ترهيب، يصرفونه عما هـو فيه؛ لأنـه يرى مـا هـو فيه نعمة، نعمة دفعته إلى أن يقول: {رَبِّ بِما أَنعَمتَ عَلَيَّ فَلَن أَكونَ ظَهيرًا لِلمُجرِمينَ}.

ويذكر الله عن نبيه نوح أيضًا فيقول: {إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا} (الإسراء: من الآية3) هكذا تجد شكر النعم الإلهية في مجال نعمة الهداية والنعم المادية المتعددة شكرها وتذكرها من أهم صفات أولياء الله؛ لما لها من أثر كبير في ربطهم بوليهم، بالله سبحانه وتعالى.

نجد كذلك كيف يأمر الله عباده بشكر نعمته بصورة عامة فيقول: {فَكُلوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشكُروا نِعمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُم إِيّاهُ تَعبُدونَ} (النحل:114) {فَاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ} (البقرة:152) {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَاشكُروا لِلَّهِ إِن كُنتُم إِيّاهُ تَعبُدونَ} (البقرة:172) {فَابتَغوا عِندَ اللَّهِ الرِّزقَ وَاعبُدوهُ وَاشكُروا لَهُ ۖ إِلَيهِ تُرجَعونَ} (العنكبوت: من الآية17). ومتى ستشكر الله؟ إذا كنت دائم التذكر لنعمه العظيمة عليك.

يأتي في المقابل خطورة الإساءة التي تحول النعم فتبدل النعم، تلك الإساءة العظيمة إلى الله {سَل بَني إِسرائيلَ كَم آتَيناهُم مِن آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّل نِعمَةَ اللَّهِ مِن بَعدِ ما جاءَتهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ} (البقرة:211).    ما هي هذه النعمة هنا؟ أليست هي نعمة هداية؟ من أبرز ما تعنيه هذه الآية – فيما نفهم – هو التركيز على نعمة الهداية إلى الإيمان، هداية الآيات البينات، فيما تتركه من أثر في النفوس فسماها نعمًا. {كَم آتَيناهُم مِن آيَةٍ بَيِّنَةٍ} هي نعم عظيمة عليهم {وَمَن يُبَدِّل نِعمَةَ اللَّهِ مِن بَعدِ ما جاءَتهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ}.

فتذكر هنا أنك عندما ترى نفسك تسير على هدي الله، تهتدي بآيات الله، تلزم نفسك على أن تعمل وفق آيات الله التي تهديك إلى أن تعمل الأعمال الكثيرة التي فيها رضاه فأنت في نعمة عظيمة فإذا ما استبدلت بها غيرها خطوطًا أخرى، مواقف أخرى، أشياء أخرى هي مخالفة لهدي الله سبحانه وتعالى تسير بك على غير صراطه فاعلم بأنك قد عرضت نفسك لعقوبة عظيمة من الله، وأنك قد بدلت نعمة الله {وَمَن يُبَدِّل نِعمَةَ اللَّهِ مِن بَعدِ ما جاءَتهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ} {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلوا نِعمَتَ اللَّهِ كُفرًا وَأَحَلّوا قَومَهُم دارَ البَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصلَونَها ۖ وَبِئسَ القَرارُ (29)} (إبراهيم:28-29) جهنم هي مصير الذين يتنكرون للنعم.

تأمل كيف أن الله يذكرنا بأنا متى ما وفقنا إلى عمل هو اهتداء بآياته، يذكرنا أن ننظر إلى ما نحن فيه أنها نعمة عظيمة، لا تعتبرها إشكالية، وتعتبرها حملًا ثقيلًا، انظر إلى ما وعد الله به من يعمل كعملك، انظر إلى ما وعد الله به أولياءه، انظر إلى ما وعد الله به المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة كيف تراه وكيف ستقتنع فعلًا، وترى بأنك في نعمة عظيمة فترعاها، لا تبدلها ولا تتبدل عنها، ولا تحاول أن يكون موقفك موقف من  يستبدل الله به غيره فتكون قد عرضت نفسك إلى أن يكون مقرك هو جهنم ونعوذ بالله من جهنم التي قال فيها: {وَبِئسَ القَرارُ} بئس المستقر.

ويقول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ} (النحل:112). لماذا كفرت بأنعم الله؟ هم كانوا يتقلبون داخل مدينتهم في نعم كثيرة حاجاتهم متوفرة {يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ} أي واحد منهم يمكن أن يعمل له أي عمل فيدر عليه دخلًا كبيرًا، يبحث عن حاجاته فيراها كلها بين يديه تتوفر، والحياة في المدينة فعلًا تكون على هذا النحو لكنها تكون خطيرة. حياة المدينة هي خطيرة جدًا فمظهر كفر النعم الجماعي يأتي من داخل المدن فتكون العاقبة هكذا {فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ}؛ لأنهم نسوا أن يتذكروا تلك النعم العظيمة التي هم فيها من سهولة المعيشة، سهولة الحصول على الرزق، توفر الحاجات، تأتي المدينة من القرى، من الأرياف، من البلدان الأخرى.

وربما – والله أعلم – أن اليهود يعرفون هذه القضية؛ فلهذا يعملون على أن تظل الأرياف في مختلف الشعوب الإسلامية أريافًا تفتقر إلى الكثير من خدمات الحياة، قد تكون الحياة فيها صعبة؛ ليهاجر الناس نحو المدن، فيتجمعون هناك بأعداد كبيرة لا ضابط لها، ليس هناك من يوجهها ويرشدها، ليس هناك من يرعاها، بل العكس ترى هناك مظاهر الفساد، ترى هناك وسائل الإضلال فتؤدي بتلك المجاميع التي كانت تشكر الله هنا وهي في قراها، عندما كانت تحصل على رزقها مما بين أيديهم، يكون لديهم الحيوانات، أبقار وأغنام وغيرها من الحيوانات ولديهم مزارع، ويشتغلون فيها، ويحيون حياة تجعلهم يحافظون على دينهم، وعلى قيمهم، لكن يرون مظاهر الحياة الأخرى تتطور، وتهملهم الدولة فلا كهرباء، ولا مياه، ولا مراكز صحية، ولا مدارس، ولا تلفون، ولا خطوط، ولا أشياء كثيرة يفقدونها فينطلقون نحو المدن بأعداد كبيرة.

وهناك يتجمعون أعدادًا تنسى الله، أعدادًا تكفر بنعمه، فأعداد كهذه هي ذابت فعلًا ذابت في حياتها الإيمانية، ذاب في نفوسها الإيمان، وتضاءلت القيم، حتى تلك القيم التي كانت عربية تتمتع بها في قراها، تضاءلت وأصبحت منسية، أمة كهذه هل يمكن أن تحظى برعاية من الله؟ لا يرعاها.

مجاميع كهذه من المسلمين إنما تجمعت في شبكات للصيد تصبح فريسة في أيدي اليهود، تصبح فعلًا فريسة في أيدي اليهود؛ لأن كل فساد هو في خدمة اليهود، والمدن هي من أسرع المناطق في الشعوب إلى الفساد والإفساد، حتى الأرياف نفسها لا تفسد إلا بعد أن يصل إليها الفساد من المدن.

تذكرت عندما قال لنا – ونحن نذهب في رحلة في شمال إيران – أحد الإخوة الإيرانيين: إنهم يهتمون جدًا بالأرياف؛ لأن الغربيين يريدون أن يبقى الناس في الأرياف لا تتوفر لهم الخدمات، لا تتوفر لهم وسائل الحياة التي يتمتع بها أهل المدن، فيهاجرون إلى المدن، فيشكلون أو يصبح بواسطتهم مشاكل كثيرة تحصل: اقتصادية، وبيئية، وأخلاقية، وتصبح المدن مظاهرها فاسدة. فاهتموا فعلًا هناك أن يوفروا للقرى الكثير من الخدمات، لكننا هنا نحن في هذا البلد وفي شعوب أخرى تجد الأرياف ليس لديها إلا البسيط، البسيط من الخدمات. فبيد من يصنع هذا؟ بيد من ترسم هذه الخطط؟

هم اليهود الذين يمتلكون – كما قلنا أكثر من مرة – خبرة بالسنن الإلهية، وبالسنن الإنسانية.. {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ} (النحل:112). ونجد بعد هذا وعد الله الحسن للشاكرين حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {وَسَيَجزِي اللَّهُ الشّاكِرينَ} (آل عمران: من الآية144) {وَسَنَجزِي الشّاكِرينَ} (آل عمران: من الآية145) {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم ۖ وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ} (ابراهيم:7) ويقول عن قوم لوط: {إِنّا أَرسَلنا عَلَيهِم حاصِبًا إِلّا آلَ لوطٍ ۖ نَجَّيناهُم بِسَحَرٍ (34) نِعمَةً مِن عِندِنا ۚ كَذٰلِكَ نَجزي مَن شَكَرَ (35)} (القمر:35).

فننجي الشاكرين، ننجي الشاكرين من كثير من المهالك، وبهذا عرفنا – أيها الإخوة – كيف أنه يجب علينا أن نكون دائمي التذكر لنعم الله علينا، لما لها من علاقة قوية، علاقة قوية بالله سبحانه وتعالى، بمعرفة الله تجعلنا نتولى الله، ونعظمه، ونحبه، فننطلق في كل عمل يؤدي بنا إلى رضاه، يؤدي بنا إلى أن نفوز برضاه وجنته.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الشاكرين لنعمه، من الذاكرين لنعمه والشاكرين له عليها، وأن يجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

معرفة الله- الدرس الرابع

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 21/1/2002م

اليمن – صعدة