ذكرت صحيفة "L 'Humanité" الفرنسية، في تقريرٍ لها جاء تحت عنوان "الانقلاب في الغابون، تشريح السقوط"، أن الانقلاب الذي أطاح بالرئيس علي بونغو في الغابون، هو علامة على تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الانقلاب في الغابون يعكس تغيرات عميقة في مواقف شعوب غربي أفريقيا، حيث لم تعد ترغب في العيش تحت "الأبوة الغربية المدمرة".
وذكرت الصحيفة أن فرنسا حاولت الحفاظ على نفوذها في إفريقيا من خلال دعم الأنظمة الديكتاتورية، واستغلال الموارد الطبيعية للدول الأفريقية، ولكن هذه الجهود بدأت تتراجع أمام ضغوط الشعوب الأفريقية التي تطالب بالديمقراطية والتنمية المستدامة.
كما أشارت الصحيفة، إلى أنّ ضم الغابون إلى مناطق النفوذ الفرنسي الاستعماري في أفريقيا، بدأ مع الرئيس عمر بونغو، والد الرئيس المعزول مؤخراً، علي بونغو، والذي وصل إلى السلطة في نهاية ستينيات القرن الماضي، وقت كانت باريس تبحث بأي ثمنٍ، عن الوسائل اللازمة للحفاظ على نفوذها على دول "إمبراطوريتها الاستعمارية السابقة".
واعتُبِر بونغو الأب، "المتابع الأفريقي المثالي للرئيس الفرنسي آنذاك، شارل ديغول، والقائم بأعماله"، كما اعتُبِرت الشركات الفرنسية الكبرى، مثل "Elf Aquitaine"، وخليفتها اليوم "توتال"، مِن بين المستفيدين الرئيسيين من هذا النظام.
وشدّد تقرير الصحيفة على أنّ الفساد مثّل مركز هذا النظام، إذ حقّق القادة الغابونيون، لأغلبية الأحزاب الفرنسية، التي شاركت في السياسة، من اليمين إلى اليسار الاشتراكي، "توافقاً استعمارياً جديداً واسع النطاق".
كما أضاف التقرير على أنّ جزءاً كبيراً من السكان، يحمّلون فرنسا مسؤولية الوضع الأمني، في البلاد وحولها، خصوصاً وأنّه في السادس والعشرين من تمّوز/يوليو الماضي، "سقطت قطعة دومينو أخرى في الفناء الخلفي لفرنسا"، حيث نجحت الإطاحة بمحمد بازوم في النيجر، رجل فرنسا في البلاد، وأحد أوثق شركاءها في المنطقة، مما سبّب مشكلةً عميقة بالنسبة لباريس.
كذلك، أشار التقرير إلى إعادة القوات الفرنسية لانتشارها مؤخراً في أفريقيا، موضحاً أنّها ما تزال موجودة في القارة، وخاصةً في تشاد وساحل العاج، وهما "الدولتان الوحيدتان اللتان لا يزال بوسع فرنسا الاعتماد عليهما"، بحسب ما فصّل التقرير.
وبالنسبة لبقية دول المنطقة، فإنّ شعوب غربي أفريقيا، لم تعد راغبة في "هذه الأبوية المدمرة"، وأنّ باريس "لم تفهم قط أنّه بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إليها كشرطي لأفريقيا"، في إشارةٍ إلى أنّ الخسائر التي تتكبدها في القارة حالياً، هي نتاجٌ "لسوء إدراكها للواقع السياسي والاجتماعي".
وتطرّقت الصحيفة إلى الوجود الأميركي في أفريقيا، مُشيرةً إلى أنّ واشنطن "قدّمت بيادقها بنفس الأهداف، دون الارتكاز إلى الماضي الاستعماري"، إضافةً إلى ظهور لاعبين آخرين جُدد، بما في ذلك روسيا والصين وتركيا، مما يؤكّد وجود العديد من العوامل التي تفسّر "الطرد شبه النهائي لفرنسا من القارة".
واعتبرت الصحيفة أنّ الدليل على "طرد فرنسا من أفريقيا" موجودٌ في النيجر، حيث تمتلك الولايات المتحدة أكبر قاعدة للطائرات بدون طيار، لكنّها "ليست قلقة"، في إشارةٍ إلى مستوى القلق الفرنسي من التطورات في المنطقة.
يُذكر أنّ التوتر في الغابون، تصاعد مِن جرّاء نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي أُجريت السبت، في غياب مراقبين دوليين، إذ سعى بونغو من خلال إعلان فوزه في الانتخابات إلى تمديد حكم عائلته المستمر منذ 1967، بينما عملت المعارضة على إحداث تغييرٍ في هذه الدولة الأفريقية الغنية بالنفط والكاكاو، والتي يعاني معظم سكانها مِن الفقر.
وكان المجلس العسكري في الغابون قد أعلن، صباح الأربعاء، النجاح في السيطرة على السلطة في البلاد، ووضع بونغو قيد الإقامة الجبرية، وذلك بعد ساعاتٍ قليلة مِن إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية رئاسية ثالثة، في حين خرجت في شوارع العاصمة ليبرفيل وعدّة مدن أخرى، مظاهراتٍ مؤيدة للإطاحة ببونغو.
كما اختار المجلس العسكري في الغابون، قائد الحرس الجمهوري، الجنرال بريس أوليغي نغيما، قائداً للمرحلة الانتقالية المقبلة في البلاد.