عند سدرة منتهى الفضيلة، كانت تلك نقطة الملتقى بصحبة ملائكة الرحمن ومن سبقهم من الصادقين، حَيثُ نالوا من الله مقام الفضل ودرجات العُلا، جاهدوا وتسابقوا وضحوا وبذلوا الدماء وقدموا الأنفس للذود عن حرمات الدين وكرامة الوطن وحرية الإنسان، فكانت دماؤهم حجّـةً لله على العالمين في زمن تخاذل فيه أهل الدين عن نصرة المستضعفين، فأُولئك إحياء عند ربهم يُرزقون، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا.
كان ذلك وعد الله سبحانه وتعالى (روح وريحان وجنة نعيم)، في مستقر من الرحمة والغفران وذلك هو الفوز العظيم، فمقام الشهادة لا يضاهيه أي مقام في العالمين، فهم في رحمة الله آمنون، وهم من تشرفت بهم الأمم وشمخت بهم الأوطان وتعلمت من مدرسة تضحياتهم الشعوب، فها نحن اليوم نلامس واقعاً مليئاً بالكرامة والسعادة والتمكين، وتلك آثارهم المحمودة على مر التاريخ، فخلف كُـلّ نصر تضحية شهيد، لأرواح طاهرة هاجرت من الأرض إلى السماء، وصعدت ببريق نورها لتنتظر الصادقين اللاحقين من خلفها.
تلك تضحية اشتقت من ثقافة قرآنية وهُــوِيَّة إيمانية يمانية، وتلك مواقف عظيمة لولاها لتمكّن العدوُّ وعاث في الأرض الفساد، واتخذ من دين الله دغلاً وعباده خولاً وماله دُولاً، لكن، يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وتلك نتيجة محتومة لمن جاهد في سبيل الله وكان من الصادقين، فثقافة الاستشهاد هي من صنعت الرجال وخطت بدمائهم منهجا لملاحم الأوطان، وقل الحق من ربكم.
ويبق الأثر خالداً مخلَّداً حتى قيام الساعة، وتبقى ثمرة النصر متفرعة الأركان، حَيثُ يسود القسط والعدل ارجاء البلاد، حين ذهب ضنك الظلم وتبدد، فكل خير هو راجع لتلك الدماء وكل مسئولية هي مرتبطة بالوفاء لتلك التضحيات، وكل ما وصل إليه الشعب اليمني من عزة وكرامة وتمكين وإباء ليس إلا ثمرة واحدة من شجرة طيبة فرعها ثابت وأصلها في السماء، فسلام الله على أرواح عانقت عنان السموات وصنعت تاريخ الحرية لأجيال عشقت سبيل التضحية، لتكون الأمنية هي (شهادة)، فسلام الله على أرواحكم الطاهرة ما تعاقب الليل والنهار.