أحمد يحيى الديلمي
اليهود هم أعداء الأمَّة الإسلامية، بل أعداء البشرية جمعا، ويخبرنا التاريخ عن عداوتهم الشديدة للمسلمين، كما يخبرنا عن العداوة القديمة بينهم وبين النصارى، إلَّا أنه ليس في تاريخ العداوات عداوة تماثل شراستها وأبديتها ذلك النوع الذي تواجه به اليهود والنصارى الأمَّة الإسلامية.
وفي خضم ذلك، فإن الكراهية والعداء، والعشق والولاء أمران لا يمكن أن يتناغما هذا التناغم، ولا يمكن أن يتطابقا هذا التطابق إلَّا في حالة أن من ينفذ ذلك قد وصفه الله سبحانه وتعالى أنه يمتلك من الخبث والمكر مالم يمتلكه آخر من البشر.
ومن أجل فهم جذور العِداء بين اليهود والنصارى، والوقوف على دور اليهود في تغيير ذلك العِداء، فإننا سنقدم إجابة مختصرة عن الأسباب التي غيرت العلاقة بين اليهود والنصارى من عِداء إلى محبة وولاء، ومن كيد إلى تعاون، إذ نبين الخلفية الفكرية العميقة للانحياز الأمريكي المُطلق إلى كيان العدو الإسرائيلي، لنعلم كأمَّة إسلامية شيئاً لم يعد خفياً عن أعدائنا.
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها!؟
عندما نتكلم عن الأهداف التي تسعى أمريكا إلى تحقيقها من خلال تحيزها إلى جانب العدو الإسرائيلي، كان لابد من البحث عن عوامل أخرى يمكن أن تُبرر هذا التحيز من قبل أمريكا وإنجلترا، والتي يمكن أن تجعلنا نتعرف على السر في أن أمريكا وإنجلترا هما اللتان جعلتا تحقيق الحلم الصهيوني في فلسطين المحتلة حقيقية واقعية، وبفضل وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين، وبفضل الدعم الأمريكي المتواصل استطاع اليهود إقامة كيانهم ، واستطاعوا بناء أنفسهم، والتصدي لكافة الأخطار التي واجهتهم، فما هو السر في ذلك؟
وممَّا لا شك فيه أن فلسطين والقدس المحتلة تمر هذه الأيام بأدق مراحلها التاريخية؛ نتيجة للمؤامرة الصهيو أمريكية، والتي جمعت الولاء بين الإدارة الأمريكية واليهود، وهناك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها على المُتتبع للمواقف المتحيزة لأمريكا حيال الصراع العربي الإسرائيلي، فلا بد أن الكثيرين سألوا أنفسهم عن أسباب هذا التحيز.
إجابات عديدة:
سيجد السائل إجابات عديدة على هذا السؤال ومنها ربط هذا التحيز بأثر اللوبي الصهيوني في تشكيل هذه السياسة المتحيزة لإسرائيل، إلا أن العديد من الباحثين يعتقدون أن هذه الإجابة ليست كافية لتبرير هذا التحيز، فثمة سبب آخر ورئيسي يبرر هذا التحيز، لاسيما وأن عدم كفاية هذا التبرير هو أن ذلك الموقف المتحيز ليس من قبيل التحيز المرحلي الذي يتغير حسب سير المصالح وتغيرها، فيكون متحيزاً لأحد الأطراف عندما يجد أن مصالحة وأطماعه تتطلب ذلك، ولكن هذا التحيز مبني على أساس عامل مهم جداً يجعل منه موقفاً ثابتاً لا يتغير بسهولة.
سبب التحيز:
إذا ما دققنا في التوصيف الأيدلوجي للإدارة الأمريكية فإن الباعث المستخدم وراء تحريضها على الوجود الإسلامي في القدس هو الاعتناق المهوس بمبادئ ما يُسمى بـ “الصهيونية المسيحية” التي تسعى إلى إعادة “صهيون” أو “مملكة اليهود” من خلال هدم المسجد الأقصى وبناء “الهيكل الثالث” أملاً في نزول “المُخلص” إلى الأرض.
إن قوة وشراسة الصراع الراهن بين المسلمين من جهة، واليهود والمسيحية الصهيونية من جهة أخرى، يعطي الانطباع عن كيد عدوٍ مزدوج، وحِدّة شراسته، فكان من الضروري جداً إظهار طبيعة هذا الصراع المركب (ديني، حضاري) وخاصة للبعض الذين يعتقدون بأن الصراع مع اليهود هو صراع سياسي أمني أو قومي فقط، ولإزالة الغمامة عن أعينهم وبيان حقيقة العدو الحقيقي للأمة الإسلامية، وكذلك من أجل فهم جذور العداء الشديد على المسلمين من اليهود والنصارى، وإظهار الجذور الفكرية للمسيحية الصهيونية.
وهذا الأمر يدفعنا إلى مناقشة هذه القضية الخطيرة وتحليلها بأمانة علمية موثقة، لمعرفة وتوضيح الدور المنحاز بالكامل الذي قامت وتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية لصالح كيان العدو الإسرائيلي، والأسباب الكامنة وراء انتهاج الولايات المتحدة لذلك الخط، والبُعد العقائدي الذي أصبح يصبغ السياسة الخارجية الأمريكية بشأن هذا الصراع.
خلفية الانحياز الأمريكي الكامل للعدو الإسرائيلي
عندما نتأمل جيداً في العلاقة بين اليهود والنصارى؛ لعلَّ أحدنا يتعجب قائلاً: ما الذي يدفع النصارى إلى هذا الدعم المُستميت لليهود على كافة الأصعدة، عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً، وتقنياً…الخ، دعماً هائلاً وأعمى في نفس الوقت؟!
لا شك أن هناك تغيراً جذرياً في نوع العلاقة بين اليهود والنصارى ممَّا أدى إلى أوضاع مغايرة جداً عمَّا كنا نألفه في العلاقة التقليدية بين الطائفتين، فالتاريخ يخبرنا عن علاقة سيئة بين اليهود والنصارى منذ قديم الزمان، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) (سورة البقرة، الآية: 113).
العِداء بين النصارى واليهود:
أهل الكتاب هـم: (اليهود والنصارى)، وعلى الرغم من أن الله “سبحانه وتعالى” قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة للأمَّة الإسلامية يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً، لاسيما وأن الواقع قد كشف أن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) اجتمعت كلمتهم على الأمَّة، على الرغم ممَّا حصل بينهم من عداوة وبغضاء، وليس في تاريخ العداوات عداوة تماثل شراستها وأبديتها ذلك النوع الذي تواجه به طوائف اليهود والنصارى الأمة الإسلامية، يقول الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي: “…ولكن أهل الكتاب بصورة عامة؛ على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً.
[أهل الكتاب] هو اسم يطلق على اليهود والنصارى، هم أهل الكتاب السماوي السابق، أهل التوراة وأهل الإنجيل، والواقع كشف هذا: أن أهل الكتاب، اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا، أليس هذا الذي حصل؟ على الرغم مما حصل بينهم, ما بينهم من عداوة وبغضاء، وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر، ويرسخ العداوة فيما بينهم أكثر، كما حصل في [الحرب العالمية الأولى]، و[الحرب العالمية الثانية]، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم، وكما يقال – إن كان صحيحاً تاريخيا ً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد [النّازِيّة] في [ألمانيا] في أيام [هِتْلَر] على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا، وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم”.
هل يكره النصارى اليهود فعلاً؟
حول هذه القضية قد يتساءل البعض منا: هل يكره النصارى اليهود فعلاً؟، وفي سبيل الإجابة على ذلك، يؤكد الشهيد القائد بالقول: “ما من حق الإنسان أن يتكلم؟ لكن هذا، مع أنه عبارات: [الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل] هل فيها سب؟ ما فيها سب، أليس هذا صحيحًا؟ فيه [اللعنة على اليهود] اللعنة على اليهود، الأمريكيون لا يظهرون أنهم يهود، واليهود أساسًا هم ملعونين عند الكل، يوجد الكثير يكرهونهم مننا، ومن النصارى يكرهونهم، لكن هم قد تغلبوا على النصارى وهم يثقفونهم، مثلما يتجهون إلينا يثقفوننا، وقد هم يحولون النصارى إلى صهاينة يشتغلوا معهم، تعرفون بأنهم قد يحولوا النصارى إلى صهاينة؟ قد هو يهودي في قالب نصراني، مثل الآن، يحولوه يهودي وشكله مسلم، هم هكذا يعملون”.
ويؤكد قائلاً: “ثم يرشد إلى أن هذه الأمة لخطورة من تواجه، ومن العجيب، ومن العجيب أنه قال عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء، أي أن الله سبحانه وتعالى قد خفف كثيرًا كثيرًا كثيرًا فاليهود والنصارى الذين نصارعهم الآن هم من بعد التخفيف، بعد التخفيظ، ومع هذا يغلبوننا!”.
النصارى حملوا العداء لليهود:
في هذا الصدد، وحتى الحادي والثلاثين من أكتوبر 1517، كان العِداء لليهود يجتاح القارة الأوروبية، وينظرون إليهم باستحقار كبير، ويلقون على كاهلهم عبء «دم السيد المسيح» رغم أن هذا الاتهام الاعتقادي منافٍ لما جاء في القران الكريم، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)﴾ (سورة النساء: 157-158).
وتنافس ملوك وأمراء أوروبا في إصدار المراسيم؛ لإجلاء اليهود من الممالك والمقاطعات الواقعة تحت حكمهم؛ للخلاص من شرورهم وأحقادهم ونفسيتهم المريضة الملوثة بالمكر للأمَّم والشعوب الأخرى، وكان هذا الرفض السياسي المتجذر الذي أبداه الملوك والأمراء يتماهى مع حالة الكره والعِداء الشديدين اللذين تكنهما وتظهرهما الكنيسة الكاثوليكية لليهود؛ باعتبارهم قتلة «المسيح عليه السلام»، وتحريض أبنائهم وأشياعهم على قتل المسيحيين، وسلب أموالهم.
وكان يعتقد المسيحيون على اختلاف طوائفهم وفئاتهم بصلب المسيح “عليه السلام”، ويُحمِّلون اليهود المسؤولية عن واقعة الصلب هذه، ويرون أنها ما كانت لتتم لولا المؤامرات التي حاكها اليهود ضد المسيح؛ فهم الذين رفضوا الإيمان بدعوته وحاربوه واشتكوا عليه، وهم الذين سلّموه للشرطة الرومانية واتهموه بالتطاول على الرب، وأن عملية الصلب تمّت بتحريضٍ وإشرافٍ مباشرين من كهنتهم الذين واصلوا مشوار التحريض وحملاته المسعورة ضد أتباع المسيح الأوائل أثناء الحكم الروماني القيصري.
وفي هذا السياق، يقول الشهيد القائد: “معروف عن اليهود والنصارى أنهم متباغضون فيما بينهم، وأن النصارى يتهمون اليهود بقتل المسيح، وأن النصارى حملوا العداء لليهود – كما نعاديهم نحن – فترة طويلة من الزمن…”.
ويؤكد بالقول: “نحن نعلم أن اليهود استقبلوا المسيح -عليه السلام- أسوأ استقبال، واتهم اليهود أمه العذراء البتول مريم عليها السلام بالفاحشة، وسعوا لدى أمير القدس الروماني لكي يقتل المسيح -عليه السلام-، بل ويعتقد النصارى أن المسيح -عليه السلام- قد صلب وقتل بالفعل من قبلهم، وإن كنا نحن المسلمين نعتقد اعتقادا جازما أنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفعه الله إليه، قال تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157]”.
الهوامش:
السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة سورة آل عمران، الدرس الأول، 2002م.
السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، آيات من سورة الكهف، 2003م.
السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم يوم القدس العالمي، 1422هـ.
معاذ الحاج أحمد، الثالوث المقدس… «البروتستانتية واليهودية والصهيونية»، موقع ساسة بوست.