يدخُلُ التصعيدُ العسكريُّ المتواصِلُ في قطاعِ غزةَ وجنوب لبنان في دوامةٍ من الضغوطِ المتبادَلةِ، أمامَ عتبةِ المفاوضات الجارية، الخَاصَّةِ ببرمجة الخطوات العملية لقرار مجلس الأمن الأخير، القاضي بوقفِ إطلاق النار في غزة، والسير بخارطة الطريق التي تضمَّنها مقترح "بايدن" الثلاثي المراحل، والذي من المفترض أن يؤدِّيَ لوقف دائم للعمليات العسكرية، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وبحسب مراقبين، فَــإنَّ عرقلة تنفيذ القرار الأممي ليست عند "حماس"؛ كونها أجابت بـ"نعم.. ولكن"، بحيث أبدت موافقتَها على القرار وخطة "بايدن"، ولكنها طالبت بضمانات أمريكية واضحة؛ لعدم عودة "نتنياهو" للميدان العسكري، بعد إتمام إطلاق الرهائن، الأحياء منهم والأموات، في المرحلة الثالثة للمقترح الذي عرضه "بايدن"، وتمَّت صياغته بعناية، من خلال الأخذ بملاحظات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في جولات المفاوضات السابقة.
بدوره، مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي "سوليفان" اعترف بأن تعديلات حماس على النص الأَسَاسي للمقترح طفيفة، والباقي سبق لحماس أن وافقت عليها في جولات المفاوضات السابقة؛ مما يعني أن الجانب الفلسطيني لا يتحمل مسؤولية المماطلة، أَو عرقلة تنفيذ القرار، حَيثُ لا ضمانات أمريكية أَو إسرائيلية، بعدم العودة إلى العمل العسكري بعد تنفيذ بنود القرار الدولي، ومقترح "بايدن".
مَن يعرقلُ قرارَ وقف العدوان على غزة؟
وفقاً لتقاريرَ أممية فَــإنَّ العقبةَ الكأداء ما تزالُ عند الجانب الإسرائيلي، حَيثُ ما زالت هستيريا الحرب مسيطرة على قرارات حكومة اليمين المتطرف، ويستمر رئيسها "نتنياهو" بمناورات التملّص من الضغوط الأمريكية، للبقاء في ساحات الحرب، جنوباً في غزة وُصُـولاً إلى رفح، وشمالاً من الجنوب اللبناني إلى العمق البقاعي؛ إنكاراً لفشل حربه المدمّـرة على غزة في تحقيق أهدافها المعلَنة من جهة؛ وتهرُّباً من الوقوع في مصيدة المحاسبة السياسية والقضائية، التي تنتظرُ خروجَه من رئاسة الحكومة لمباشرة التحقيقات حول التقصير الحاصل في التصدي لعملية (طوفان الأقصى) في ٧ أُكتوبر الماضي، وتحديد المسؤولية في إخفاقات الحرب على غزة، فضلاً عن الدعاوى القضائية بالفساد، وغيرها.
في الإطار، زار كُـلٌّ من وزير الشؤون الاستراتيجية الصهيوني "رون ديرمير" ومستشار الأمن القومي في كيان الاحتلال "تساحي هنغبي"، واشنطن بعد يومَينِ من جولة الموفد الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط "عاموس هوكشتاين"، وعقدا لقاءاتٍ في البيت الأبيض.
وبحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي، فقد أبلغ الوزيران الصهيونيان كبارَ معاوني الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بأن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" لا يريدُ حربًا مع حزب الله ويفضِّلُ حَلًّا دبلوماسيًّا، وذلك بحسب ما أكّـد مسؤولَيْنِ أمريكيَّيْنِ للموقع، وحصولهما على ضمانات أمريكية بعدم محاكمة "نتنياهو" مستقبلاً.
تراجُعُ "نتنياهو" عن تصريحاته السابقة:
في الأثناء، تراجع رئيس وزراء الكيان "نتنياهو" ضمنياً عن تصريحٍ سابقٍ قال فيه: "إنه يسعى لاتّفاق جزئي مع حركة حماس لإعادة الرهائن".
وقال "نتنياهو" أمام الكنيست، الاثنين، في كلمة جاءت بناء على طلب 40 عضواً: إن "إسرائيل لن تنهي حربها على قطاع غزة، قبل إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية"، مدعياً أن "تل أبيب ملتزمة بالمقترح الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وطرحه على أنه إسرائيلي، لتبادل الأسرى مع حركة حماس".
واعتبرت مصادر إسرائيلية مطلعة أن نتنياهو يتراجع بذلك عن التصريحات التي أدلى بها الأحد، الفائت، خلال مقابلة أجرتها معه القناة (14) العبرية ووصفتها عائلات أسرى في قطاع غزة بأنها "تراجع نتنياهو عن مقترح بايدن"، واتهمته بعرقلة جهود التوصل إلى اتّفاق تبادل مع حماس.
وقال "نتنياهو" في أول مقابلة معه تجريها قناة تلفزيونية إسرائيلية منذ بدء العدوان: إنه لن يقبل إلا باتّفاق "جزئي" مع حركة حماس لإعادة الرهائن، مشدّدًا على أن "إسرائيل ستواصل حربها على غزة، وأن الجيش سيظل في القطاع"، مُضيفاً، "لست على استعداد لإنهاء الحرب وترك حماس كما هي".
وقوبل هذا الحديث بانتقادات داخلية وخارجية، حَيثُ أكّـد العضو المستقيل من "كابينت" الحرب "غادي آيزنكوت" أن "تصريح نتنياهو يتناقض مع قرار كابينت الحرب".
وقال آيزنكوت: "كنتُ عضواً في كابينت الحرب حتى قبل أسبوعين، وطرح خيارَينِ فقط في جميع مداولات الكابينت: إما صفقة من مرحلة واحدة التي تعرف بالجميع مقابل الجميع، أَو صفقة تشمل ثلاث مراحل، وأيد الكابينت ذلك بالإجماع".
"غالانت" يعمل على التخفيف من تبعات أزمة الذخائر مع الإدارة الأمريكية:
في السياق، يزور وزير الحرب الإسرائيلي "يوآف غالانت" حَـاليًّا الولايات المتحدة ضمن جولة الاجتماعات التي يعقدها مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وتركزت أبرز الملفات في زيارته لواشنطن الخلاف مع الإدارة الأمريكية حول مسألة شحنات الأسلحة.
وبحسب موقع "والا" العبري، تقدّر وزارة الحرب "الإسرائيلية" بأن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ووزير الحرب "لويد أوستن" لا يعلمان حجم الأزمة وأن هناك تأخيرًا متعمّدًا صادراً عن مستوى الموظفين الكبار في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتسليح الضروري؛ لذلك يعقد "غالانت" اجتماعات حول الموضوع مع مسؤولين كبار في قيادة الإدارة؛ مِن أجلِ التوصل إلى حَـلٍّ للأزمة رغم مقاطع الفيديو لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" التي أحرجت كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وفاقمت الأزمة السياسية.
وأشَارَ الموقع إلى أن وزارةَ الحرب أجرت عدةَ مناقشات حول الموضوع، وأصدر مديرُها العام اللواء احتياط "إيال زمير" في الوقت نفسه توجيهات بشراء ذخيرة وأسلحة من حلفاء "تل أبيب"، باستثناء الولايات المتحدة؛ مِن أجلِ توسيع "الاستقلال" الاستراتيجي للجيش الصهيوني من خلال قيام الصناعات الأمنية "الإسرائيلية" بتوسيع خطوط إنتاج الذخيرة والبحث عن حلول للصواريخ والقنابل الدقيقة.
بدورها، نقلت وسائل إعلام أمريكية، الثلاثاء، عن وزير الحربِ "لويد أوستن" خلال لقائه "غالانت" القول: "نولي أهميّة للحل الدبلوماسي لوقف التصعيد على حدود لبنان"، وَأَضَـافَ، أن "الدبلوماسية هي الخيار الأفضل على الإطلاق للحيلولة دون مزيد من التصعيد"، مؤكّـداً على أن "حربًا أُخرى بين "إسرائيل" وحزب الله قد تتحوَّلُ بسهولة إلى حرب إقليمية".
المستودعاتُ الأمريكية في "إسرائيل":
على الرغم من انتشار العديد من المستودعات الأمريكية الخَاصَّة بالتسليح في أكثرَ من منطقة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون لموقع "والا" العبري: إن "جميع الصناعات الأمنية الكبرى تعمل كُـلٌّ منها في مجالها الخاص لتوسيع خط الإنتاج الخاضع للطلبيات والتخطيط مع وزارة الحرب".
وذكر الموقع أنه في بداية الحرب، نجح وزيرُ الحرب "يوآف غالانت" في إيقاف شحنة كبيرة جِـدًّا من الذخيرة، جاءت من مستودعات الجيش الأمريكي في "إسرائيل" إلى الجيش الأوكراني، كجزء من الحرب ضد روسيا، وصودرت لصالح الجيش الإسرائيلي، نتج عنها أزمة حادة سرعان ما تم تلافيها قبل أن تصلَ إلى وسائل إعلام أمريكية.
إلى ذلك، أكّـد الموقع، أنهُ "ليس سِرًّا أن الجيش "الإسرائيلي" لم يكن مستعدًّا لعدة أشهر من القتال في عدة ساحات في نفس الوقت، وبالتأكيد ليس تسعة أشهر دون رؤية الأفق".