“طُوفان الأقصى” وماذا بعد؟!

“طُوفان الأقصى” وماذا بعد؟!

جميل المقرمي

شهرٌ كاملٌ مر على انطلاق عملية “طُوفان الأقصى” ولا يزال العدوان الصهيوني الأمريكي يحاول جاهداً لملمة ما لحق به من ذل وعار سيتقلده أبد الدهر.

وعلى مدى ثلاثين يوماً لا يزال هذا العدوّ يترنح من هول الضربة التي سددتها لهُ المقاومة الفلسطينية في السابع من أُكتوبر المنصرم، ضربة كشفت بجلاء للقريب والبعيد والصديق والعدوّ وعلى خطي نقيض هشاشة هذا العدوّ، الذي لم يستطع قادته الذين يتفاخرون ليل نهار بحساباتهم ودراساتهم الدقيقة للواقع والأحداث استيعاب الضربة، بل إن أكثرهم لم يعلموا بالحادثة إلَّا من خلال وكالات الأنباء التي تلقت مشاهد مصورة وزعها الإعلام العسكري عن حصيلة الاكتساح المظفر لمستوطنات العدوّ وفرقه العسكرية.

كُـلّ ذلك الهيلمان التي عمد العدوّ على ترسيخه في أذهان العالم عبر أكبر المكنات الإعلامية العالمية تهاوى وتشظَّى خلال ساعات محدودة كسرت معه تلك الغطرسة، وحطمت تلك الأُسطورة التي ظل يروجها على مدى عشرات السنين..

عشرات المليارات تلقاها العدوّ من شركائه لمواراة فضيحته وحشر لهول ما نزل به جيوش دولٍ عظمى تقاطرت منذ اليوم الأول إليه فاتحة بذلك أبواب مخازنها ومعداتها العسكرية والاقتصادية، وتحَرّكت ضمن برنامج مكثف في دول المنطقة ترهيباً وترغيباً لتوفر له الغطاء الكامل ليمسح عن ذهنية العالم أثر الهزيمة المدوية التي ارتسمت في أنظار العالمين..

جبل من اليأس والإحباط الجاثم على أفئدة قذف فيها الرعب بالأطنان، دفع بها إلى ارتكاب مجازر مروعة بحق أبناء جلدتها التي لم يتجاسر مئات الآلاف من الجنود المدجَّجين بترسانة العالم العصرية على التقدم برياً لتحقيق ما أسموه تخليص الأسرى، والذي انتهى باتِّخاذ قرار ينم عن هزيمة ساحقة ألمت بهم من خلال إحراق الأرض بمن فيها من الجو والبحر والبر.

وتحت تأثير التخبط والضياع الناتج عن الضربة لا يزال العدوّ بشكل هستيري حَـتى اليوم يحاول الحصول على إنجازٍ عسكريٍّ واحدٍ، ولكن الأمر أشبه بالرسم على الأمواج فلا هو حرّر الأسرى ولا اجتث المقاومة ولا استطاع الاجتياح لسنتيمترٍ واحدٍ لعرين غزة، كُـلّ ذلك الفشل عززه ما يمتلكه هذا العدوّ من تكنولوجيا تجسسية ورصد وتعقب الأهداف وترسانة حربية كونية ودعم خارجي لا محدود وتواطؤ إقليمي غير معهود ولا مقيد وصل حَــدّ تجنيد الكثير من وسائل الإعلام العربية المختلفة في ترويجٍ لكل تلك الأكاذيب التي يصدرها وبتمويل عربي بالطبع.

هذا السقوط المدوي الذي ظهرت إليه تلك الأنظمة كان تراكم لسنين خلت في بعدها الكثير عن هدي الله والوثوق به والتصديق بأن النصر لا يأتي بالعدد والعتاد، وإنما يأتي بالاعتماد على الله والتوكل عليه، وهو الأمر الذي شاهده الجميع في تحطم تلك الأُسطورة المزعومة على أيدي أبناء المقاومة الفلسطينية، التي أسقطت تلك الهالة بمشاهد حية يصعدون بها على تلك المدرعات والمجنزرات التي قالوا إنها لا تقهر ويخرجون منها جنودها ليجروهم كالخراف إلى حضائر الأسر.

هذا المشهد ذاته والذي شاهده الجميع في مختلف الجبهات هنا في اليمن، وكيف يصعد ذَلك الجندي الحافي المؤمن بربه المتوكل عليه ليحرق تلك المدرعات بالولاعات، وهي التي أصبحت اليوم سلاحًا فعالًا في حصد تلك المدرعات الأمريكية وإهانتها.

تطابق هذه المشاهد في غزة واليمن ولبنان والعراق تجعل العالم في محصلتها أمام عنوان واحد هو أن ثقافة هيهات منا الذلة، التي تشربتها المقاومة الفلسطينية هي ذاتها التي تشربها من قبل مجاهدو محور الجهاد والمقاومة في مختلف الساحات والميادين..

من ناحيةٍ أُخرى فَــإنَّ حجم الإجرام الذي يمارسه هذا الطاغوت الاستكباري بحق الأطفال والنساء في غزة الصمود يؤكّـد للمرة الألف حجم الهزيمة المدوية التي تلقاها هذا العدوّ لتجعله يعيش سعارًا إجراميًّا على أمل استعادة هيبته التي تلاشت هباءً منثوراً، الأمر الذي جعل العالم الصامت اليوم في مقلب الإدانة التاريخية أمام تلك المدن السكنية التي تدمّـر فوق رؤوس ساكنيها موثقة بالصوت والصورة، والتي تجاوزت كُـلّ الحرمات والأخلاقيات والقوانين والأعراف الدولية، والتي كشفت بجلاء طبيعة هذا الكيان الإجرامي الذي ظل لعقود يردّد متفاخراً أمام دول العالم الحديث عن ديموقراطيته والتزامه بحقوق الإنسان والقيم السامية.

هذه الجرائم المروعة بطبيعتها لن تزيد أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة إلَّا صموداً وثباتاً وإصراراً على مواصلة معركة الحرية والكرامة والاستقلال، من زاويةٍ أُخرى فَــإنَّ سياسة الإجرام الذي ينتهجها العدوان الصهيوني الأمريكي لا شك ستقوده حتماً إلى المشانق طال الزمن أَو قصر وتؤكّـد على حتمية زواله.

وفي هذا من غير المستبعد أن يقوم العدوان الصهيوني الأمريكي بالاعتداء على الدول المجاورة؛ مِن أجل إشعالها حرباً إقليمية للتغطية على فضيحته المدوية، التي خلقت لديه قناعة تامة أن الحرب الإقليمية هي الوحيدة التي سوف تخرجه من هذا المستنقع حَــدّ تفكيره الإجرامي.

بيد أن ما يجهله هذا العدوّ أنه فيما إذَا حصلت هذه الحرب فسوف تكون المحصلة على غير ما يرجو ويشتهي، وستسفر حتماً بعون الله عن إعادة إلهية لتشكيل المنطقة على أَسَاس وعده حتماً، وستكون بالطبع خالية من الأمريكان وأبنائهم الصهاينة، والله غالب على أمره.