حينما نأتي إلى القرآن الكريم، نجد أنَّ هذه المسألة خطيرة للغاية، خطيرة جدًّا، وتعتبر من أبشع أنواع الظلم، ومن أخطر أنواع الظلم: الظلم الثقافي، وهو يؤسس للظلم بكل أشكاله: للظلم بشكله العسكري، بشكله الأمني، بشكله الاقتصادي… في كل أشكاله الأخرى، أكبر ظلم وأول ظلم عندما تظلم الأمة في المفاهيم المحسوبة على الدين، عندما تُضلل الأمة، التضليل أكبر حالة خطيرة تظلم بها الأمة؛ ولهذا نجد أنَّ الله يقول في كتابه الكريم: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً}، يعني: لا أظلم، هذه النوعية من الناس المفترين على الله الكذب هم في قائمة أظلم الناس للناس، هم في هذه القائمة، هناك فئات متعددة هي الأظلم، يأتي القرآن يعبِّر عنها: {وَمَنْ أَظْلَمُ}، بمثل ما نجده في هذه الآية المباركة، كل من قال عنهم القرآن الكريم: {وَمَنْ أَظْلَمُ}، هم في الصف الأول من الظالمين للبشرية، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: الآية18]، يتضح لنا من هذا النص القرآني مدى خطورة هذا النوع من الظلم الذي مصدره علماء السوء، ومصدره- من نسميهم في هذا العصر- بعض المثقفين، الرواة، القصاصين، المعلمين… الذين يشتغلون على تقديم الدين إلى الناس، الذين يشتغلون في الخطاب الديني، الذين يشتغلون في التعليم الديني، الذين يشتغلون في تأليف الكتب التي تحتوي معارف باسم أنها معارف من الدين، هذه الفئة من الناس منهم من يشتغل على هذا النحو: يظلم الناس، وأيَّما ظلم! الذي ينتج مفاهيم باطلة يمثِّل كتابه الذي كتبه أخطر من سجن يسجن الناس فيه بغير حق، وأخطر- أحيانًا- من معركة عسكرية مدمِّرة، المفاهيم خطيرة جدًّا، والظلم بها ظلم كبير جدًّا، يتضمن أولًا إساءة إلى الله -سبحانه وتعالى- الكذب على الله من حيث هو كذب على الله أمر بشع وفظيع، وجرأة كبيرة على الله -سبحانه وتعالى- من يكذب على الله، يقول: [في دين الله كذا وكذا، هذا من الله، من دينه] يعني: منه، وما هو من الله هو يعبِّر عن علمه، عن حكمته، عن رحمته، عن عزته… وما هو مكذوب يسيء إلى هذا كله: إما يسيء إلى عزة الله، أو يسيء إلى حكمة الله، أو يسيء إلى رحمة الله… أو يسيء إلى كل تلك التي تضمنتها أسماء الله الحسنى، يسيء إلى الله في كل شيء، في كل ما تفيده أسماؤه الحسنى، يسيء إلى: كمال الله، وجلاله، وعظمته، وألوهيته.
فأول مشكلة في الافتراء على الله: من حيث الجرأة على الكذب على الله ذنب فظيع وبشع، وقلة حياء من الله -سبحانه وتعالى- ومن حيث ما يتضمنه ذلك المفتري، ما قدم باسم الله ونُطِق به عن الله، زورًا على الله، وافتراءً على الله، مما فيه إساءة إلى الله -سبحانه وتعالى- ثم ما يترتب على الأخذ به في واقع البشرية من نتائج سيئة، فكرة معينة، قاعدة معينة، أو فتوى معينة؛ يترتب عليها مواقف باطلة، البعض من الفتاوى الباطلة يترتب عليها مظالم كبيرة جدًّا: تسفك بها الدماء، تنتهك بها الأعراض، تنهب بها الأموال، البعض من الفتاوى، أو من المواقف، أو من العقائد فيها- أيضًا– إساءة إلى الله من جوانب متعددة، وسنأتي- أيضًا– لمزيد من التوضيح حول هذا الموضوع.
يقول الله -جلَّ شأنه-: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: الآية144]، لاحظوا افتراء الكذب على الله ليكون وسيلة لإضلال الناس؛ لأن الكثير من الناس يتقبلون حينما تكون المسألة مسحوبة على الله، وعلى أنَّها من دينه، فيتقبلها هذا وذاك، والكثير من الناس البسطاء يتقبلون، يقول لك: [قال الله ، قال رسول الله كذا كذا، ويتحدث دين الله هو كذا وكذا]، ويعبِّر عن هذا بأكاذيب وتحريف: إما تحريف للمفهوم، وإما إنتاج لمفهوم باطل من أساسه، لم يرد لا في كتاب الله، ولا عن رسول الله، كلا المسألتين خطيرة جدًّا، كلٌ منهما يمثِّل خطورة كبيرة على الناس، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ} [الزمر: من الآية32]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ} [العنكبوت: من الآية68]، المسألتان: مسألة الافتراء على الله كذبًا، أو التكذيب بالصدق، أو التكذيب بالحق، كلٌ منهما جريمة في مستوى واحد، وهذا يحصل للكثير من الناس: التكذيب بالحق، والتكذيب بالصدق، {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} [النساء: الآية50]، إثم واضح وفظيع، {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116-117].
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الثالثة بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-