مدرسة الثقافة القرآنية … وجيل الشهيد هاني طومر

مدرسة الثقافة القرآنية … وجيل الشهيد هاني طومر

مدرسة الثقافة القرآنية … وجيل الشهيد هاني طومر

كتب / صادق البهكلي

 

اخترعت الأمم فكرة الجندي المجهول التي أوحت بها الرغبة في تمجيد البطولة والأبطال الذين لم يتم التعرف عليهم ولم تعرف مواقفهم لكن في اليمن لم تعد البطولة مجهولة ولم يعد الأبطال مجهولون بل أصبحت بطولاتهم ومواقفهم قصص وحكايات تتناقلها الشعوب وتحكيها أحاديث الناس فما سجلته عدسة الإعلام الحربي منذ بداية العدوان الإجرامي من ملاحم اشبه بالأساطير التي لم يشاهدها الناس سوى على شاشات الألعاب الإلكترونية والتي لولم تكن بالمشاهد الحية لما صدقها الكثير وتتصاعد العمليات البطولية لدرجة أن بعضها لا تصدقه العين ولا تتحمله المشاعر آخر تلك المشاهد الموقف البطولي الذي قدمه الشهيد هاني طومر في ملحمة الإيثار ومحاولاته إنقاذ زملائه بطريقة بطولية مؤثرة، حيث أصر على انقاذ اخوته المحاصرين لثلاث مرات، ونيران العدو تنهال عليه من كل جانب ، ففي المرة الأولى استقل أبو طومر مدرعة واستطاع الوصول الى المجاهدين المحاصرين وإخراج مجموعة من الجرحى لكن العدو تمكن من اعطاب مدرعته.

وفي المرة الثانية واصل أبو فاضل عملية اخراج الجرحى مستقلا  طقما عسكريا ورغم كثافة النيران إلا أنه تمكن من اخراج مجموعة من المجاهدين ولكن سيارته أعطبت للمرة الثانية.

استمر الشهيد أبو فاضل في عملية انقاذ اخوته المجاهدين واستقل آلية ثالثة وما إن وصل إلى المكان المحدد حتى انهالت عليه أسلحة العدو بمختلف أنواعها، وبعد أن أعطبت آليته ، ترجل أبو فاضل ليواصل السير مشيا على قدميه، فانصبت عليه نيران أسلحة العدو ليرتقي بعدها شهيدا عزيزا بعد أن سطر أروع الملاحم البطولية .

 وقبل الشهيد أبو فاضل كان هناك موقف الشهيد عبد القوي الجبري الذي دقن حيا وكذلك موقف الشهيد السويدي الذي حمل زمليه الجريح على كتفه وسط وابل من النيران كما كان للشهيد عيسى العكدة الذي واجه مجاميع المرتزقة بالحجارة  ، وكم هي تلك المواقف البطولية التي لم تعرض أو كانت في أوقات وأماكن لم تلحقها عدسة الإعلام الحربي فمن أين أتت هذه الروحية التي لم تعد موجودة سوى في اليمن؟ وما منبعها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير المتواضع..

 

مران وقيامة الأحرار

 

في مرحلة خيمت على شعوب أمتنا دياجير الاستبداد واسترق وعيهم سلطان الجهل، وتسورت أياديهم سلاسل الجبروت واستلبت حريتهم سطوة الطواغيت وعاشوا حيارى، يفتقدون البصيرة ويفتقرون للحكمة يلبس عليهم قول الحكيم العاقل وينفق بينهم تجار الباطل، وفي غمرة التيه وحلكة ليل الهوان كان صوت الإباء الحسيني يبدد هيبة الإذعان ويعلن عن فجر جديد للحرية وللأحرار ومن جبل مران بمحافظة صعدة صدحت حناجر فتية المرحلة بالموت لأمريكا (الشيطان الأكبر) والموت لإسرائيل (كيان الفساد ومنبع الشر) وتهادت تلك الصرخة إلى مسامع الأحرار فكأنما كانوا ينتظرونها وشعروا بأنها شفاء لما يعتلج في خلجات صدورهم من آلام الكبت فانطلقوا زرافات ووحدانا إلى حيث هتف سليل النبوة ابي عبد الله الحسين بن بدر الدين وإلى حيث المنطق القرآني يتدفق وعياً وهداية وعزة وإباء وكرامة ففتحوا لذلك الهدى قلوبهم وسلموا لذلك المنطق عنان أنفسهم فزادهم الله هداية ومنحهم من قوته وأغدق عليهم من عزته، وأكرمهم بكرامته فكانوا بحق رجال المرحلة وأهل الإباء والحمية..

 

الحرب الأولى .. ومواقف كربلائية

بعد أن شعرت قوى الطاغوت أن صوتا حسينياً آخر ينبعث من جديد هادراً بـ ” هيهات منا الذلة” وبمنطق قرآني أقوى من حديد قيودهم تداعوا لإخماد هذا الصوت وانطلقت جحافل الجيوش وفتحت لذلك خزائن الأموال وتدفقت عبر وسائل إعلامهم بيانات المساندة وبدأت الحرب وبدأ معها أول فصل من فصول ملاحم الجهاد ومشاهد التضحيات الحسينية ومع أول طلقة دوت تلك الصرخة بأقوى من هدير مدافعهم ودوي قنابلهم وبقي الأحرار على خطى الحسين يقدمون أروع صور التضحيات والثبات والاستبسال في الحرب الأولى.

 كان مسرح العمليات هو جبل مران الشاهق والجيوش تحيط به من كل جانب وقف السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ـ سيد الأحرار في الزمن المعاصر ـ وقفة جده الحسين في ميدان كربلاء وهو يرى نفسه مخيراً بين السلة والذلة ولكن لمثله هيهات أن يختار الخضوع فكتب ملحمة كربلائية أخرى سطر فيها مع ثلة من المؤمنين رغم قلة الإمكانيات وقلة الناصر أروع قصص التضحيات والفداء والثبات ولأنه لم يكن في تلك الحرب إعلام حربي ولا آلات تصوير فقد صور قائد الملحمة الحسينية ما يجري على أرض الميدان ففي اتصال هاتفي له مع شخصيات ووسائل اعلام مثل قناة ” بي بي شي” وهو يتحدث عن حجم الاستهداف وصور الثبات حيث قال أنهم استهدفوا منطقة مران في يوم واحد بالقنابل والصواريخ أكثر مما سكبه الأمريكيون على أحياء بغداد و الفلوجة العراقية وأن طلعات الطائرات تصل في بعض الأيام إلى خمسين طلعة في منطقة صغيرة جغرافيا وقاذفات تقذف بالجملة، وفي وقت منع من دخول المنطقة أي شيء لا الصليب الأحمر ولا وسائل إعلامية ولا حتى المواد الغذائية ويفرضون حصارا شاملا ، ووسط تكتيم إعلامي وتكميم للأفواه ومطوقين للمنطقة من الجهات الأربعة وأنها حرب عدوانية لم يشاهد لها مثيل..

 ولكن أولئك الفتية الذين وقفوا معه كانوا قد تشربوا ثقافة القرآن الكريم فكان ثباتهم وصمودهم أقوى من نيران المعتدين وهو ما تحدث عنه الشهيد القائد حيث يقول في اتصاله مع الشهيد حسن زيد: ((هناك تأييد إلهي كبير ورعاية إلهية كبيرة جداً تفهم؟ المواقع التي فيها مقاتلين مدافعين من أصحابنا كان تقصفهم الطائرات والمدافع والصواريخ في آنٍ واحد في آنٍ واحد وأقسم لك كانوا يقوموا كانوا يقوموا من بين الغبار ويهتفوا بهذا الشعار سليمين ويقصفوا الجنود عندما كانوا يحاولوا يطلعوا.. ويسقط الجنود بالمئات بالمئات, يعني خسائرنا لا تساوي واحد في المائة من خسائر الجيش تفهم هذه؟..

أيضاً بالنسبة للبلاد كانت تنزل الصواريخ والمدافع لدينا, المدافع تنزل بشكل رهيب ومكثف على البلاد فلا تؤثر على البيوت, والبيوت ما تزال سليمة نادر جداً آثار, آثار لا تكاد تذكر عرفت ولولا رعاية الله لولا رعاية الله أقل لك أنت يا حسن ومن يسمع لولا رعاية الله لولا فضل الله لكانت بلادنا هذه ولكنا في خبر كان في يومين فقط؛ لأنهم قصفوا علينا في بعض الأيام بأكثر مما قصف الأمريكيون على أي حي من أحياء بغداد حتى على حي المنصورة تفهم في يوم الخميس قبل الماضي يوم الخميس قبل الماضي قصفوا البلاد قصف رهيب رهيب من الجو ومن قذائف صواريخ ومن المدافع بشكل عشوائي وبشكل مكثف لم نجد له مثيل في ما قد رأينا من قصف في بغداد على بغداد وعلى الفلوجة ومن أي حرب شاهدناها من أي حرب شاهدناها ))

ولكن الله حطم كبريائهم ونكس غطرستهم وحصل لهم مجزرة لم يتوقعوها وقرابة ثلاثة أشهر سجلت مران ملحمة اسطورية وعمليات فدائية قل نظيرها حتى ارتقى الشهيد القائد معراج الخلود شهيداً عظيماً وانتقلت ميادين المواجهة إلى مناطق أخرى ليكمل الرجال مسيرة قائدهم وليواجهوا ستة حروب دامية كان لهم فيها رايات النصر وقصص الفداء والثبات..

 

المدرسة القرآنية .. وتلاميذها العظماء

إنها مدرسة إيمانية عظيمة من تخرج منها خرج شامخ الرأس ثابت الإيمان عزيز النفس, لا يتراجع ولا يتأثر بأي ظروف مهما كانت, يواجه كل التحديات ولا يأبه لكل الطغاة والمستكبرين، وهذا ما كان عليه الشهيد القائد (رضوان الله عليه) وما كان عليه تلاميذه ورفاق المجاهدين وما تزال المسيرة القرآنية تفاجأ أعدائها وتذهل قلوبهم حتى بأطفالها الذين قدموا دروس عظيمة تخجل منها جيوش الدول الكبرى..

 

إن سر عظمة هذه المسيرة هو في فهمنا الواعي لدين الله الذي كما يقول ـ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله): (( يربي رجالاً, ينتج رجالاً, ينتج أبطالاً يخلعون ثوب الذل, وكذلك يكونون بعيداً عن السكينة المسكنة والهوان والإذلال والتعاسة, رجالاً أعزاء بعزة الله العزيز, وبعزة رسوله العزيز, وبعزة القرآن العزيز, أنزل الله الحديد ليكون أبناء الإسلام, أمة محمد, أتباع محمد رجالاً يحملون الحديد فيدافعون بالحديد عن أنفسهم, وبالحديد الذي حمله رسول الله درعاً, وبالحديد الذي حمله رسول الله سيفاً, وبالحديد الذي حمله رسول الله سهماً, تحرك رسول الله كأعظم قائد عسكري وبطل ورجل عظيم ليقارع الطغيان, ليقارع المنكر, واجه اليهود وهزمهم, وواجه مشركي العرب وطغاة العرب, والمفسدين من العرب وهزمهم, وواجه أيضاً النصارى بكل إمكانياتهم العسكرية وانتصر عليهم)).  وبهذه الثقافة واصل أنصار الله مسيرتهم القرآنية التي أسسها الشهيد القائد وفي المقابل واصلت جحافل الطاغوت استهدافها المتكرر لهذه المسيرة ولأبنائها .. ولكنها مع كل حرب تخرج أقوى واكثر تماسكا وأكثر عددا وعدة..

 

ولقد برزت الكثير من النماذج القرآنية الذين قدموا أروع وأنصع الشواهد عن عظمة دين الله وقدرته على تربية الأمة وبناء النفسيات والنماذج والقدوات العظيمة في مختلف الميادين الجهادية فكان الشهيد زيد علي مصلح والشهيد عبد الله مصلح والشهيد علي موسى القيسي والشهيد عبد الكريم ثابت والشهيد طه المداني والشهيد الرئيس صالح الصماد والمئات من الشهداء الأبطال الذين قدموا دروس عظيمة .. وفي كل عدوان على هذه المسيرة القرآنية تبرز نماذج جديدة وشخصيات تحمل روحية جهادية عالية المستوى تمثل في بمستوى العطاء ، والصبر ، والتصميم ، والوعي ، والحمل للقضية العادلة ، والتشبث بالحق، والتسليم المطلق والتضحية والإيثار وغيرها من القيم الإيمانية الراقية..

 

معركة النفس الطويل .. وذهول عالمي

 

بعد فشل أدوات أمريكا في الداخل اليمني من وأد المشروع القرآني وتميز المشروع بالحيوية والقدرة على الانتشار والقابلية لدى الناس قررت أمريكا تكوين تحالف دولي تقوده دول الخليج الغنية بالنفط وفي المقدمة النظام السعودي المجرم والنظام الإماراتي المارق لشن عدوان إجرامي على اليمن بضمانات واسناد أمريكي وقد ساندت دول عديدة العدوان الأمريكي السعودي تحت عناوين إعادة الشرعية وحماية الأمن القومي العربي ومواجهة التمدد الإيراني ولكن تلك العناوين تبين بعد فشل التحالف العدواني أنها مجرد شعارات وهمية كان يراد احتلال اليمن ونهب مقدراته تحت ضلالها .. لقد نهضت المسيرة القرآنية برجالها وقيمها ومبادئها لمواجهة هذا العدوان وبالرغم من التآمر الداخلي الكبير وتحول النظام السابق بشقيه الاخواني والعفاشي إلى ادوات بيد العدوان إضافة إلى أن أمريكا كانت قد سلبت الجيش اليمني كل مقدراته كما كان الاقتصاد اليمني يوشك على الانهيار وبذلك دخلت المسيرة ميدان الحرب لتواجه برجالها ومن أنضم إليهم من أحرار الشعب اليمني ومن الصفر عدوان طاغي يمتلك أقوى الإمكانيات والخبرة ولديه ثروة ضخمة مكنته من شراء حتى جيوش من المرتزقة من مختلف أنحاء العالم إضافة إلى دفع رشاوي لمختلف هذه الدول مقابل صمتها وشرت الكثير من الذمم والأنظمة.

 

ومع ذلك استطاع الشعب اليمني بقيادة السيد عبد الملك قائد المسيرة القرآنية من مواجهة العدوان الآثم والتنكيل به وسحق جيوش الارتزاق الذي جلبها العدو من الخارج والداخل إضافة إلى التنكيل بالجيش السعودي نفسه ومن معه من الكتائب البريطانية والأمريكية في ما وراء الحدود فضلا عن الضربات والعمليات الكبرى في العمق السعودي ..

لكن ما يميز هذا الحرب هو المقاتل اليمني الذي أذهل العالم بثباته وبطولاته الخارقة واستبساله وفدائيته التي بهتت منها قوى الطاغوت فمشاهد الاقتحامات والمواجهات المباشرة والأقدام الحافية جعلت أحلام أقوى الدول وأعظم الجيوش وأغنى الكيانات تتبخر وتتناثر أشبه بالغبار الذي تنثره سواعد الحفاة وهي تعتلي المواقع العسكرية السعودية المحصنة ..

 لقد كانت تلك القوى تراهن على الاقتصادي والاجتماعي والعسكري الذي كان اليمن قد وصل إليه وظنت أن بمقدورها احتلاله واعادة وصايتها على شعبه لم تتصور أن قوة الإيمان وعزيمة الانصار أقوى من ترسانتها العسكرية فخسرت رهانها وانزلت في مستنقع سحيق لم تستطيع الخروج منه منذ سبع سنوات وما تزال الآن في وحل هزائمها تبحث عن الخلاص وتحاول أن تحصل على نصر ولو من أفواه الجياع والمرضى..

 

الشهيد طومر والسويدي والعكدة والجبري ومواقف لا تنسى

لكل شهيد حكاية، وأي حكاية، حكاية الشهيد مملوءة بأغلى وأجمل الذكريات، ذكريات العمل الدؤوب، ذكريات الإخلاص لله سبحانه وتعالى، ذكريات الإيثار، ذكريات الصدق، ذكريات الوفاء.{فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ} بقيت لهم تلك الروحية العالية, الهمة التي تساوي الثريا، النشاط الجد، الهمة العالية، الشدة الكبيرة في مواجهة العدو، العمل النشط كل ذلك كان باق {وَمَا اسْتَكَانُوا}؛ لأنهم صابرون والصابرون لن يضعفوا, بصبرهم يكسروا الضعف, بصبرهم يتجاوزوا الوهن, بصبرهم هم أبعد شيء وأسمى شيء عن أن يكونوا مستكينين {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} يحبهم, بصبرهم نالوا شرف محبته، والمحبة من الله.

وبهذه القيم رأينا تلك المواقف العظيمة التي اقشعرت لها الأبدان ورأينا اولئك الفتية وهم يقدمون دروس للعالم كله في معاني البطولة والتضحية والفداء والإباء والإيثار وكل تلك القيم والمبادئ التي كانت مجرد دروس نظرية اصبحت في اليمن دورس عملية جسدت أمام العدسات وفي ميادين القتال والاستبسال.

لم يكن العدوان الإجرامي بالنسبة لليمنيين مجرد حرب تقليدية بل كانت مدرسة ودروس يومية قدمها أبطال المسيرة القرآنية وشعب الأنصار كما كان لأجدادهم مع رسول الله نفس الموقف.

إنها سنة التدافع ولعلها جاءت في الوقت الذي يحتاج فيه العالم المادي لدروس تبرهن له عظمة الإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه وأنها أعظم من تلك القوة التي تراهن عليها قوى الطاغوت والتي ترهب بها أحرار العالم ورجاله المصلحين وتستضعف بها الشعوب والأمم المقهورة وأن لا قيمة للمادة التي أصبح يعبدها عالم اليوم أمام موازين الحق والعدل الإلهي ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يساوي الله بين أولياءه وأولياء الشيطان مهما كانت فوارق القوة المادية بينهم وصدق الله القائل: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}.