الوصاية الخارجية ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر

الوصاية الخارجية ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر

ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هي مرحلة الوصاية: الوصاية الخارجية على شعبنا، الوصاية التي من خلالها فرَّطت القوى السياسية آنذاك باستقلال وحرية شعبنا وبلدنا، وهو تفريطٌ كبير،

وتفريطٌ كارثي، يترتب عليه النتائج الخطيرة جداً، والتي كانت ستمتد لتصل بالوضع في بلدنا إلى الانهيار التام من جانب، وإلى الاحتلال الكامل والسيطرة الخارجية الكاملة على هذا البلد وعلى هذا الشعب، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لبلدنا، وأخطر ما يمكن أن يحدث على شعبنا.

في تلك المرحلة وبقرار من مجلس الأمن تواطأت معه بعض القوى الداخلية، والتي كانت في سدة الحكم آنذاك، وكانت هي في الوضع الرسمي التي تقود البلد رسمياً آنذاك، وُضِعَ البلد هذا تحت البند السابع، ونصب وصياً عليه (على هذا الشعب)، ومتحكماً في قراره، وآمراً وناهياً ومقرراً في كل شؤونه: السفير الأمريكي، وانتقل القرار وصلاحية اتخاذ القرار من الرئاسة (المقر الرسمي في البلد لإدارة شؤون هذا البلد) إلى السفارة الأمريكية، التي أصبحت هي المقر الرئيسي، الذي يدار منه أمر هذا البلد، وتعد فيه الخطط، وتنطلق منه التوجيهات والأوامر لإدارة شؤون هذا البلد، وكان هذا واضحاً وجلياً ورسمياً، ولم يكن عن طريق الخفاء، ولم يكن عن طريق محاولة التفافية، ويتم إخراجه بصورة مقبولة، أصبح أمراً واضحاً رسمياً، وبطريقة وقحة للغاية، وبشكلٍ غريبٍ جداً.

أصبحت القوى السياسية والجهات الرسمية في البلد، تتعامل مع السفارة الأمريكية على هذا الأساس، على هذا الأساس، وأصبحت الوصاية على شعبنا وبلدنا مسألةً رسميةً، ليس هناك أي جدل بشأنها، ولا أي نقاش، وأصبحت في الجو العام وكأنها مسألة حتمية، مقبولة، ينبغي أن يتقبلها الجميع، وأن يتحرك على أساسها الجميع.

في ظل تلك الوضعية من الوصاية المعلنة الرسمية التي تسند بقرار علني من مجلس الأمن، ويتم العمل على أساسها في شؤون البلاد على المستوى الرسمي، اتجه الوضع في البلد في كل المجالات بلا استثناء إلى الانهيار:

الوضع السياسي كان يتعقد يوماً فيوماً، ويسوء أكثر، وتكبر الأزمة السياسية في البلد.

الوضع الاقتصادي كان يتفاقم، وكانت معاناة شعبنا تزداد، ليس بفعل الظروف، ليس لأن هناك حصاراً مفروضاً على شعبنا في وصول احتياجاته ومتطلباته الأساسية، وليس لأن موارده وثرواته الطبيعية تعيش أو تكون تحت احتلالٍ مباشرٍ معلن، وسيطرة خارجية معلنة، الوضع بناءً على أنها ثروات هذا البلد، وأن إيراداتها لمصلحة هذا الشعب، ولمصلحة الدولة، ولمصلحة المرتبات...إلخ.

ثم أيضاً على مستوى بقية الأمور، مثلاً: الحكومة آنذاك، الجانب الرسمي والسلطة في البلد آنذاك، تظهر على أنها متحالفة مع الأمريكيين والأوروبيين والخيلجيين، وأنها تحظى بمساندة دولية، وأنَّ لها علاقات طبيعية مع كل الدول، بمعنى: أنها في واقعها على أساس أنها في ظل ظرفٍ طبيعي، وليس في ظل وضعٍ استثنائي، يبرر أن يكون هناك أزمات، وأن يكون هناك معاناة، لا، أمامك آنذاك في صنعاء سلطة، تحظى بعلاقة مع كل الدول، تحظى بمساندة دولية، يقول المجتمع الدولي ويعلن على أنه معها، وأنه يدعمها، وأنه يقدِّم لها المساعدات المالية، والدعم السياسي والمادي... وغير ذلك، مع كل ذلك، أزمات اقتصادية خانقة جداً، وتتجه نحو الانهيار الاقتصادي التام.

ثم على المستوى الأمني، انهيار أمني شامل، تصبح صنعاء بنفسها مسرحاً للاغتيالات والتفجيرات، تنتشر القوى التكفيرية، وعملاء أمريكا من التكفيريين والقاعدة والدواعش، القاعدة آنذاك هي التي -قبل أن يظهر عنوان داعش- تنتشر في معظم أرجاء البلد وصولاً إلى صنعاء، وبتسهيلات واضحة، اغتيالات حتى للموظفين الرسميين، استهدافات مكثفة للأكاديميين وللنخب في هذا البلد، تفجيرات شاملة تستهدف الأمن، وتستهدف الشعب، وتستهدف الكل، فالحالة الأمنية يعبَّر عنها بالانهيار الأمني، الاستهداف حتى للمنتسبين للأجهزة الأمنية في الأمن السياسي آنذاك وفي غيره.

ثم على بقية المستويات: الوضع الاجتماعي يزداد سوءاً، الحالة الإعلامية والثقافية والفكرية كلها تصب في اتجاهٍ يساعد على تفكيك النسيج الاجتماعي لشعبنا، على ضعضعة الوضع الداخلي في بلدنا، على تفاقم الأزمات في كل المجالات، ولم يكن أيٌّ منها يتجه على نحوٍ إيجابي، يتجه بشعبنا نحو سياسات إيجابية، أو معالجات للمشاكل بطريقة صحيحة وسليمة... أو غير ذلك، حتى على المستوى الأخلاقي، الذي كان يعمل عليه الأعداء هو أن يسلبوا من شعبنا هويته الإيمانية، أن يجرِّدوه من كل عناصر القوة المعنوية مع المادية؛ حتى يصلوا به إلى الانهيار التام؛ ليتمكنوا من السيطرة التامة عليه وهو في حالة استسلام، لم يعد يمتلك أي عناصر للتصدي لكل ما يعاني منه من استهداف.

وهذه الحالة واضحة، يعني: نحن هنا لا ندَّعي ادِّعاءات باطلة، أو نتكلم بما ليس معروفاً، يكفي أن يعود الإنسان ويستذكر تلك المراحل لمن عاشها، ويستذكر تلك الحقائق وهي معروفة، أو حتى على المستوى الإعلامي، هي أمور معروفة، وكان الكل يعترف بها، فهو وضعٌ غريب، لم يكن وضعاً سليماً، أن يكون هناك سلطة في البلد، وأن تكون مدعومةً ومسنودةً من المجتمع الدولي، من الأمريكيين والأوروبيين والخليجيين، وأن يكون لها علاقات دولية مع الروس والصين، ومع شرق الأرض وغربها، وأن يكون الوضع الذي في البلد ليس في حالة حصار خانق، ولا حرب شاملة، ثم تكون الأمور كلها تتجه نحو الانهيار في كل المجالات، حالة خطيرة جداً، حالة سلبية جداً، معناه أنَّ الإدارة لشؤون هذا البلد، والتي على رأسها أولئك الأوصياء، الذين جعلوا منهم أن يكونوا هم في مقام الوصاية على البلد، أنهم كانوا يرتِّبون الأمور في طريقة إدارتهم لشؤون هذا البلد بما يحقق أهدافهم الشيطانية، هم بكل وضوح كانوا يتجهون بهذا البلد إلى الانهيار التام.
 كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 21سبتمبر 1443-2021