عبدالباري عطوان.. لماذا جاءت أرقام الوفيّات بوباء الكورونا في مُعظم الدول العربيّة هي الأقل عالميًّا؟
لماذا جاءت أرقام الوفيّات بوباء الكورونا في مُعظم الدول العربيّة هي الأقل عالميًّا؟ وما دور الديكتاتوريّة في هذا المِضمار؟ وكيف استفادت بعض الحُكومات منه وجاء الفيروس طَوق نجاة بالنّسبة إليها؟ إليكُم قراءةً مُختلفةً راصِدةً لمُفارقاتٍ عدّة
لا نُجادِل مُطلقًا بأنّ مُعظم، إن لم يَكُن كُل، الدول العربيّة محكومة بأنظمة ديكتاتوريّة، والمسألة نسبيّة، لكن اللّافت، وباعتِراف بعض المراقبين الغربيين، أنّ هذه الديكتاتوريّات العربيّة أثبتت فعاليّتها في مُواجهة فيروس كورونا، وتقليص انتِشاره، بفرض إجراءات مُشدّدة من بينها فرض حالة الطّوارئ، ومنع التجوّل، وإغلاق المحلّات التجاريّة والشّركات، وكُل دور العبادة من مساجد وكنائس، ولهذا جاء انتِشار الوباء الأقل في غالبيّة دول الشرق الأوسط بالمُقارنة مع مناطق أُخرى “ديمقراطيّة” مِثل أوروبا.
دول مِثل الأردن والسعوديّة دفعت بالجيش للنّزول إلى الشّوارع واعتقال كُل من يخرق حالة منع التجوّل، بينما أقدمت كُل من المغرب والجزائر لاعتِقال كُل من يروّج للأنباء والشائعات الكاذبة عن الوباء التي يُمكن أن تخلق حالةً من الهلع والبلبلة في أوساط المُواطنين.
ومن المُفارقة أنّ فيروس الكورونا أنقذ العديد من الحُكومات، وأوقف تجمّعات احتجاجيّة في دُولٍ مِثل لبنان (عادت الاحتِجاجات قبل يومين بسبب الأزمة الاقتصاديّة)، والجزائر والعِراق والأردن، لأنّها تتعارض مع قوانين الطّوارئ وحظر التجوّل أوّلًا، ويُمكن أن تكون أرضيّةً لزيادة انتِشار الوباء بين المُحتجّين.
عدد المُصابين في العالم بفيروس كورونا المُستَجد حسب آخِر الإحصاءات يزيد عن ثلاثة ملايين ورُبع المليون إصابة، مِليون إصابة منها في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبلغ مجموع الوفيّات 228 ألف حالة وفاة 85 بالمِئة منها في الولايات المتحدة (55 ألف حالة) والباقي في أوروبا.
كان لافتًا أنّ عدد الوفيّات في الدول العربيّة هي الأقل، فلم يمت من جرّاء الوباء في مِصر التي يزيد عدد سكّانها عن 100 مليون نسمة إلا 380 شخصًا، بالمُقارنة مع بريطانيا (26 ألف حالة وفاة) التي يبلغ عدد سكّانها 70 مليون نسمة، وإسبانيا 24 حالة وفاة، وفرنسا 24 ألف حالة وفاة.
والشّيء نفسه يُقال عن كُل من الجزائر والمغرب التي يقترب عدد سكّانها من 45 مليون نسمة، فالوفيّات في الجزائر لم تَزِد عن 444، والمغرب 168، والسعوديّة 175، واحتلّ الأردن ذَيل القائمة بثمانية حالات وفاة فقط.
صحيح أن بعض الدول العربيّة متّهمة بغياب الشفافيّة وعدم إعطاء الأرقام الحقيقيّة لطمأنة مُواطنيها، ومنع انتِشار حالة الهلع، وأبعدت بعض الحُكومات مِثل الحُكومة المِصريّة مُراسلين لصُحف أجنبية وجّهوا هذه الاتّهامات (إبعاد مُراسلة صحيفة الغارديان البريطانيّة)، ولكن تظل أرقام الوفيّات، أو انتشار فيروس الكورونا مُتواضعةً بالمُقارنة مع حُكومات غربيّة ترفع شِعار الشفافيّة، بسبب نجاح مُعظم الحُكومات العربيّة في إدارة الأزمة لتَعاطيها الصّارم في مُواجهتها.
نأمل أن لا يخرج البعض بانطِباعٍ بأنّنا نُؤيِّد الديكتاتوريّة، والأنظمة القمعيّة التي تعتنقها، وتُمارسها كأسلوب حُكم، نحن تحدّثنا هُنا عن جزئيّة وهي مُحاربة انتشار فيروس الكورونا وتقليص آثاره القاتلة، ولا بُد من الإشارة إلى أنّ دولًا عريقةً في الديمقراطيّة اتّخذت إجراءات مُماثلة مِثل حظر التجوّل ومنع التجمّعات، وأغلقت المطاعم والشّركات وعطّلت كُل أشكال الرياضة.
النّجاح في تقليص أخطار فيروس كورونا عربيًّا لا يعني أنّ مشاكل الحُكومات جرى حلّها، بل ما سيَحدُث بعد كورونا ربّما أكثر خُطورةً منه، ففي ظل ضرب السّياحة وتعطّل عجَلة الاقتصاد وانخِفاض أسعار النفط وعوائده إلى ما دون النّصف، ما هو قادمٌ مُرعبٌ بكُل المقاييس.. واللُه أعلم.