ما مدى صحّة الرّواية البريطانيّة الجديدة التي تُؤكِّد أنّ المُسيّرات التي قصفت النّاقلة الإسرائيليّة في بحر عُمان انطلقت من اليمن؟ وهل هذا مُؤشِّرٌ على انخِراط حركة “أنصار الله” وحُلفائها في الحرب ضدّ تل أبيب؟ وما الذي يستطيع فِعله الثّالوث الأمريكي البريطاني الإسرائيلي ردًّا على هذا القصف؟
السّلطات البريطانيّة خبيرةٌ في التّسريبات الصحافيّة، وتتفوّق على نظيراتها في هذا المجال، ولهذا السّبب حرصت صُحفها على تعيين صِحافيين مُخصَّصين لهذه المَهمّة، تحت اسم “مُحرِّر دبلوماسي” مَهمّته أن يكون حلقة اتّصال بين السّلطات وإدارة تحرير صحيفته، ومُعظم الأخبار والتّقارير الإخباريّة التي ينشرها غالبًا ما تكون صحيحةً، وإيصال رسائل للجِهات المعنيّة.
نَسوق هذه المُقَدِّمة بمُناسبة ما نشرته صحيفة “ديلي إكسبرس” اليوميّة المُحافظة، نَقلًا عن مصادر قالت إنّها مُطّلعة من أنّ مجموعة من القوّات الخاصّة البريطانيّة مُكوَّنة من 40 عسكريًّا، من بينهم مُتخَصِّصون في الاستِخبارات الإلكترونيّة جرى نقلهم جَوًّا إلى مطار “الغيضة” في شرق اليمن، في مَهمَّةٍ مُحَدَّدةٍ بإلقاء القبض على أفراد مجموعة أطلقت الطّائرة المُسيّرة التي قصفت النّاقلة الإسرائيليّة “ميرسر ستريت” في بحر عُمان، وربّما التّخطيط لاحِقًا لإنزال قوّات بريطانيّة لتنفيذ عمليّات خاصّة داخِل إيران.
الثّلاثي الإسرائيلي البريطاني الأمريكي تراجع فيما يبدو عن اتّهام إيران بإرسال المُسيّرات لضرب النّاقلة الإسرائيليّة المذكورة، وبالتّالي تهديداته بتَوجيه ضربات انتقاميّة ضدّها وبِما يُؤكِّد النّفي الرّسمي الإيراني، وتوصّله، أيّ الثّلاثي، إلى قناعةٍ بأنّ هذه المُسيّرات انطلقت من اليمن، ومن مناطقٍ واقعةٍ تحت سيطرة حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها، وليس من الأراضي الإيرانيّة.
هذا تَطَوُّرٌ، إذا صح، وهو يبدو صحيحًا، على دَرجةٍ كبيرة من الخُطورة، ليس على النّاقلات الإسرائيليّة وربّما الأمريكيّة والبريطانيّة لاحقًا، وإنّما على دولة الاحتِلال الإسرائيلي أيضًا، لأنّه يُؤكِّد انخِراط هذه الحركة (أنصار الله) في الحرب ضدّها (أيّ إسرائيل)، ولم يَعُد يَقتَصِر على دورها في التّصَدِّي للعُدوان السّعودي على اليمن.
استِهداف ناقلة إسرائيليّة في بحر عُمان يعني أنّ جميع النّاقلات الإسرائيليّة الأُخرى ستكون أهدافًا في المُستقبل للمُسيّرات اليمنيّة، الأمر الذي يعني واقعيًّا أحداث حالة من الشَّلل في الاقتِصاد الإسرائيلي، أو قِطاع عريض منه، إذا وضعنا في اعتِبارنا أنّ 90 بالمِئة من الصّادرات والواردات الإسرائيليّة تُنقَل بالسّفن عبر الخُطوط المِلاحيّة البحَريّة في البِحار المفتوحة، البحر الأحمر وبحر العرب والمُحيط الهندي تحديدًا، آخِذًا في الاعتِبار أنّ نسبة كبيرة من الصّادرات الإسرائيليّة تذهب إلى شرق آسيا، والحال نفسه إلى أسواق دول “سلام أبراهام” الخليجيّة الواعدة.
حركة “أنصار الله” في اليمن، ذات الموقع الجُغرافي الاستراتيجي” المُتَميِّز تُسيطِر على باب المندب، وبحر العرب، وخليج العقبة، وقناة السويس، وتَملُك طائرات مُسيّرة حصلت عليها من الحليف الإيراني مُتَطوِّرة جدًّا، ويَبْلُغ مداها حواليّ 2000 كيلومتر، علاوةً على منظومات صواريخ دقيقة جدًّا، وإذا وُظِّفَت هذه القُدرات الهُجوميّة لقَصفِ سُفن وناقلات وبُنى تحتيّة إسرائيليّة (ميناء إيلات مثلًا) فإنّ هذا يعني فتح جبهة ثالثة جنبًا إلى جنبٍ مع جبَهات غزّة وجنوب لبنان، وبأس “أبو يمن” الذي لم يُهزَم في تاريخه.
نشرح هذا التَّطوُّر الذي ربّما غاب عن أذهان الكثيرين بالقول إنّ أكثر من مِليونيّ يمني شاركوا في مُظاهرة صنعاء تضامنًا مع الشّعب الفِلسطيني أثناء حرب غزّة الأخيرة، ويَعتَبِر المُواطن اليمني، بكُلّ اتّجاهاته السياسيّة، أنّ قضيّة فِلسطين هي قضيّته، ولن يتَرَدَّد لحظةً في الانخِراط في مُقاومة الاحتِلال الإسرائيلي إذا أُتيحَت له الفُرصة.