انهِيار المُفاوضات التي جرت في مسقط وقادَها مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة، بحُضور السيّد محمد عبد السلام، كبير مُفاوضي حُكومة صنعاء وحُلفائها، لم يَكُن مُفاجئًا بالنّسبة إلينا على الأقل، رُغم التّنازلات التي قيل إنّ الجانبين الأمريكي والأممي قد قدّماها، وأبرزها رفع الحِصار المفروض على ميناء الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء مُجَدَّدًا.
سبب هذا الانهِيار يُمكِن حصره في ثلاثة أسباب:
الأوّل: أنّ هذه “التّنازلات” المُفاجئة جاءت مشروطةً بوقف الهُجوم الحالي الذي يشنّه الجيش اليمني التّابع لحُكومة صنعاء لاستِعادة مُحافظة مأرب الغنيّة بالنّفط والغاز، والانسِحاب من المناطق التي تمكّن هذا الجيش من السّيطرة عليها.
الثّاني: تُشير مُعظم توقّعات الخُبراء إلى أنّ القوّات التّابعة لحركة “أنصار الله” تُحَقِّق تَقدُّمًا في ميادين القِتال، وإن كان هذا التقدّم يُواجِه مُقاومةً شَرِسَةً من قبل قوّات “الشرعيّة” وحُلفائها.
الثّالث: زيارة السيّد محمد جواد ظريف وزير خارجيّة إيران إلى مسقط ولقائه بالسيّد عبد السلام، وما تردّد من أنباء عن ربط مُفاوضات مسقط المُتعلّقة بوقف إطلاق النّار في اليمن ونظيرتها الجارية حاليًّا في فيينا بين الدّول العُظمى وايران لإحياء الاتّفاق النّووي الإيراني مُجَدَّدًا، والأُخرى الجارية في بغداد بين وفدين إيراني وسعودي.
ولم يَكُن من قبيل الصّدفة إطلاق حركة “أنصار الله” الحوثيّة صاروخين باليستيين على مأرب فجر اليوم الخميس، فور الإعلان عن انهِيار المُفاوضات، كما واصلت إطلاق طائرات مُسيّرة على مُنشآت نفطيّة وعسكريّة سعوديّة خاصّة في مدينة خميس مشيط، ومن المُتوقّع تصعيد هذه الهجمات في الأيّام المُقبلة.
مصدر يمني رفيع المُستوى في حكومة صنعاء أكّد لـ”رأي اليوم” أنّه لن يكون هُناك أيّ وقف لإطلاق النّار إلا بعد السّيطرة على مُحافظة مأرب، لانعِدام الثّقة في ضمانات الطّرفين الأمريكي والدّولي، وقال إنّ إغلاق مطار صنعاء مُجدَّدًا لا يَستغرِق إلا دقائق معدودة، أمّا المُكتسبات التي تمّ تحقيقها من خِلال الهُجوم على مأرب، يَصعُب استِعادتها في أشهر من القِتال العنيف إذا تمّ التّنازل عنها.
السّيطرة على مأرب تعني إكمال السّيطرة على مُعظم مُحافظات اليمن الشّمالي، واحتِياطات من النّفط والغاز يُمكِن أن تُوفِّر عوائد ماليّة ضخمة للحُكومة اليمنيّة في صنعاء تُمكّنها من تعزيز قُدراتها العسكريّة وإحكام سيطرتها على المناطق التي تُسيطِر عليها، ودفع رواتب مُوظّفيها ومُقاتليها، وتوفير الحدّ الأدنى من المطالب المعيشيّة من غذاء ودواء وطاقة.
مأرب لن تَحسِم الحرب في اليمن، وإنّما أمن واستِقرار الجزيرة العربيّة بأسْرِها أيضًا، ولذا سيكون من الصّعب التّخلّي عنها، أو هدف استِعادَتها، مهما كان الثّمن.. واللُه أعلم.