الوسيط العماني في صنعاء أهلاً ومرحباً..ولكن!

الوسيط العماني في صنعاء أهلاً ومرحباً..ولكن!

عبدالرحمن الأهنومي

كان من الملزم أن يتم صرف رواتب الموظفين اليمنيين خلال الهدنة الأممية التي انتهت مدتها في شهر أكتوبر من العام الماضي، وكان من الملزم أن يُرفع الحصار عن موانئ الحديدة بشكل كامل وبدون عوائق خلال الهدنة أيضا، وكان المقرر أن يُرفع الحصار عن مطار صنعاء وتنتظم الرحلات منه وإلى كل مطارات الدنيا ويُفتح أمام المسافرين خلال فترة الهدنة التي تمددت لفترتين أو ثلاث، وانتهت، وللأسف لم يلتزم تحالف العدوان لا بالبنود التي تضمنتها الهدنة ونصت عليها، ولا بالمسار التفاوضي الذي فتحت أبوابه الهدنة تلك.

ورغم النكوص والتنصل حتى من بنود الهدنة الإنسانية، تركت القيادة اليمنية في صنعاء الأبواب مفتوحة أمام جهود الوساطة حتى بعد انتهاء الهدنة، وأتاحت الفرص طويلة أمام الوسطاء العمانيين، وأمام تحالف العدوان السعودية بشكل أساسي والإمارات، وأطالت فترة خفض التصعيد أشهر طويلة وإلى اليوم، وفيما كنا ننتظر حدوث تطورات إيجابية خلال كل هذه المدة، وننتظر صرف المرتبات وفتح المطار كاملا والموانئ بدون أي عوائق، وكان المنتظر أن ينجز الوسطاء شيئا إيجابيا أو أن يلتزم التحالف بخطوة واحدة على الأقل صرف المرتبات، إذا بنا نواجه حربا إعلامية ودعائية وتحريضية أطلقها تحالف العدوان عبر ماكينته الدعائية والإعلامية وأبواقه الرخيصة، بهدف استثارة اليمنيين وتثويرهم واستغلال معاناتهم التي تسبب بها، والتي كان ملزماً بكل الاعتبارات أن يعالجها.

لا أقبح من الجرأة في ارتكاب الجريمة، إلا الوقاحة في استغلال وتوظيف آثارها، وهو ما فعله العدوان، وذلك كله يكشف ويفضح نواياه التي بيتها، وفي نفس الوقت يضعنا أمام حقيقة أن هذه الحرب العدوانية بكافة فصولها تشن على اليمنيين بهدف سحقهم واحتلالهم وتركيعهم، فشلت الحرب العسكرية، وخابت بالحصار والتجويع، والمحاولة اليوم بالتضليل والفجور والرقص على جراح اليمنيين ومعاناتهم واستنهاضها وتوجيهها.

دفع تحالف العدوان الشعب اليمني إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وهو لا يريد إنهاء هذه الأزمة، بل توظيفها لتحقيق ما فشل في تحقيقه بالحرب والمعاناة.. ولعل هذه النقطة أوضح دليل على أن الحرب أمريكية صهيونية على اليمن، فمن طبائع حروب أمريكا والصهاينة أن تكتسي بالتضليل والزيف والدجل والتحريض والتهييج والأكاذيب وبالرقص على جثث الضحايا كما نشاهد في حربهم علينا.

جاء خطاب قائد الثورة في ذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام لينهي هذه المهزلة التي طالت، وما إن أنهى القائد خطابه حتى بدأ الأمريكيون باتصالاتهم وفي اليوم الثاني وصل ليندر كينغ إلى الرياض وتحدث بضرورة الإسراع في حل الملف الإنساني، وهو الذي كان قبل الخطاب بـ24 ساعة يتحدث لصحيفة إماراتية ويقول عن صرف المرتبات بأنها مسألة معقدة، أي لا تنتظروا أيها اليمنيون رواتبكم في الوقت الراهن.. ثم اشتغلت الاتصالات إلى الأشقاء في عمان بأن تحركوا بوساطاتكم بعد توقف طويل، ويوم أمس الأول اتصل وزير الخارجية الأمريكي بنظيره السعودي ليعيد كيل ليندر كينغ، ووصل أمس أيضا وفد الوساطة العمانية إلى صنعاء وما زال حتى اللحظة موجودا.

لا يعلق اليمنيون آمالاً على أن الأمريكي سيصرف المرتبات وما يقوله بعد الخطاب هو من باب الانحناء لعاصفة التحذيرات التي أطلقها قائد الثورة، سيقوم الأمريكي بحرف الحقيقة من جديد كعادته حين تتهيأ له فرصة نجاة ولو كانت قليلة الأمد، وموقفه واضح “صرف المرتبات شروط مستحيلة وغير مقبولة”، ومسألة معقدة.

أولويات القيادة في صنعاء واضحة، صرف رواتب الموظفين كحق مستحق لكافة الموظفين من الثروات الوطنية الغاز والنفط وعائداته المكدسة في البنك الأهلي السعودي، رفع الحصار عن مطار صنعاء، ورفع القيود عن موانئ الحديدة، وجبر الضرر والتعويضات، تلك خطوة أولى نحو سلام للجميع يمكن للسعودي أن يستثمر في نيوم وللإماراتي أن يستقطب مزيدا من شركات التجارة العالمية إلى دبي حتى لا تذهب إلى نيوم، وفي الحالتين حق الشعب اليمني في سلام كامل وعادل هو حق أصيل لا يمكن لأحد سلبه منه.

يبلي الوسيط العماني بلاء حسنا في جهوده المشكورة، وموقف عمان منذ اليوم الأول كان إيجابيا في الوساطة والموقف تجاه العدوان، والشعب اليمني يثقون في سلطنة عمان ثقة كبيرة، غير أن ما مضى من فترات حصل فيها ذهاب وإياب عماني من صنعاء وإلى مسقط، ولم يتحقق شيء لليمنيين قد قلل من ثقة اليمنيين في حقيقة الأمر، وهذا الكلام نسمعه حتى من عامة اليمنيين يتحدثون به في مجالسهم وأسواقهم ولقاءاتهم، وحتى لا تصبح الوساطة العمانية أنموذجا في إطالة الوقت وفي الوساطة لمجرد الوساطة وليس لأجل الحلول، نعلق الأمل في أن تخرج لقاءات هذه الفترة بحلول تلبي حقوق الشعب اليمني من صرف المرتبات إلى رفع الحصار، وأن نشهد خطوات عملية جادة، وليس على الأشقاء في عمان من حرج بالتأكيد فهم مشكورون يقومون بدور إيجابي كبير إذا لم يلتزم العدوان بما عليه، لكن يمكن للأشقاء أن يقولوها للتحالف بوضوح، لن نذهب ونعود إلا بحلول حقيقية وجادة وعملية، وهذا ليس مفروضا عليهم بالتأكيد وإنما حرصا على مكانة عمان وعلى ثقة اليمنيين كافة بها وبدورها الكريم.

وفي خطابه بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام، أشار قائد الثورة حفظه الله إلى أن الوقت الكافي أعطي أمام وساطة الأشقاء في عمان، وبالفعل منذ بدء الهدنة حتى انتهائها في أكتوبر من العام 2022، وصولا إلى مرحلة خفض التصعيد الممتدة من أكتوبر وإلى اليوم زار الوسيط العماني صنعاء 6 مرات كان خلالها يلتقي القيادة ويجري مناقشات حول ذات الأولويات الإنسانية الملحة والعاجلة مرتبات- رفع الحصار- الأسرى-، ورغم عدم تنفيذ الطرف الآخر لأي خطوة إيجابية وانتهاجه نهجا عدائيا وتحريضيا وانتقاله إلى الخطة “ب” إسقاط القلعة باستغلال المعاناة، استمرت صنعاء في حالة خفض التصعيد وتعاطت بإيجابية ومرونة وهدوء، وتلك هي الترجمة الفعلية لحديث قائد الثورة عن الوقت الكافي الذي أعطي للأشقاء في عمان، وهو ما يؤكد اليوم أن المرحلة تلك قد حسمت وأننا أمام مرحلة حرجة وحاسمة وحازمة، ما لم يشهد الملف الإنساني تطورات إيجابية من قبل تحالف العدوان فإن حقوق الشعب اليمني ملحة وعاجلة ولا تحتمل التأجيل، ولا تحتمل مدداً أطول، فالناس يموتون تحت شظف المعاناة والحصار وانقطاع المرتبات.. والمرتبات ورفع الحصار عن المطار والموانئ وجبر الأضرار حقوق لا شروط.