محمود المغربي
هناك إنجازات بشرية يمكن أن نطلق عليها أعمال وإنجازات عظيمة بعظمة من قام بها بغض النظر عن عرق ودين ومذهب ولون أُولئك الأشخاص.
وتلك الأعمال والإنجازات كان لها مردود نفعي على البشرية بمستوياتٍ مختلفة، فمنها ما هو عالمي ووصل إلى كُـلّ البشر وهناك ما هو أقل وهي ترجمة للمعنى الحقيقي للاستخلاف في الأرض وقوله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً)، خليفة لديه القدرة على التأثير والصنع والإبداع ويحمل الكثير من صفات الخالق.
وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) مع العلم أن هناك خلطاً بين معنى العبادة والطاعة وسوء فهم لمعنى هذه الآية الكريمة.
والكثير من الناس يعتقد أن المقصود بالعبادة هي الصلاة والصيام والحج والزكاة وهذا أمر غير صحيح فهذه فرائض ودائماً ما نقول عليها فريضة الصلاة، فريضة الصيام وهي أشياء فرضها الله على العباد ليختبر طاعاتهم ونطلق على من لا يلتزم بتلك الفرائض عاصياً ومن يقوم بها ملتزماً أَو مطيعاً لله.
أما العبادات فهي كُـلّ عمل يقوم به الإنسان يخدم بها نفسه وأهل بيته وأطفاله وعائلته والمجتمع والوطن والأمة والبشرية يبتغي في ذلك رضا الله، وعندما يخرج الشخص من منزله يسعى في الأرض على لقمة أطفاله فهو في عبادة، صنع وابتكار ما يسهل حياة البشر عبادة والإبداع والإخلاص في كُـلّ عمل يقوم به الإنسان عبادة والعلم والمعرفة والبحث في ملكوت الله والتدليل على وجود وحكمة وعظمة الله.
وهناك فارق كبير بين الطاعة والعبادة، فالطاعة التزام شخصي والعبادة التزام شخصي يمتد أثره الطيب إلى الآخرين وكالفارق بين الصالح والمصلح، الصالح صالحٌ لنفسه يلتزم بالفرائض يصلي يصوم يزكي صادق أمين مخلص، أما المصلح هو من يكون صالحاً ويسعى إلى إصلاح الآخرين والتأثير بهم والأخذ بأيديهم ليكونوا صالحين ويعمل لأجل المجتمع والأمة ويسعى إلى نشر الخير والمحبة ويحرص كي يرتقي الجميع ويجلب الخير والهداية لكل من حوله، لا يقبل بالظلم والفساد والانحراف ويقاوم ذلك بكل ما يستطيع وبكافة الطرق ويمكن لشخص واحد مصلح أن يبني ويغير ويصلح حال الأُمَّــة بل البشرية وكلّ ما يقوم به عبادة ويمكن القول إن الأنبياء والمرسلين هم مصلحون مع فارق أنهم يتحَرّكون بموجب تعاليم ومنهج إلهي.
ومعنى قوله تعالى: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) هو أن تكون أعمالكم التي هي عبادات؛ مِن أجل الله وخالصه لوجه الله وأن يكون الغرض منها رضا الله وخدمة عباد الله في المقام الأول والمردود المادي والمعنوي سوف يأتي بالتأكيد بعد رضا الله والتزام الشخص المصلح بهذا المبدأ يجعله في مرتبة الأنبياء والمرسلين.
فكيف بمصلح لم يكتفِ بالإرشاد والتوجيه بل ذهب أبعد من ذلك وجاهد في سبيل الله والمستضعفين في الأرض وأعطى روحه وجسده وضحى بحياته التي هي أعظم ما يمتلك الإنسان في سبيل إصلاح المجتمع والأخذ بأيدي الناس نحو الحرية والعدالة والعزة والكرامة كما فعل السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- الذي كان عابداً لله مصلحاً في الأرض بل من أعظم المصلحين في تاريخ البشر، أصلح أُمَّـة واستنهض ضمير وعقول كُـلّ المحيطين به وأثرّ بكل من التقى بهم وخلق مشروعاً عظيماً كان له ثمار عظيمة سوف تمتد إلى بقاع الأرض وتعيش ويعيش معها ذلك الشهيد الحي الذي تحَرّك ليصلح حال البلاد ومواجهة هوامير الفساد والظلم والعبث دون خوف من قوة وإمْكَانيات وبطش وسلطة من خرج عليهم يبتغي التغيير ومن منطلقٍ قرآني ومن الإحساس بالمسؤولية تجاه من يحيطون به وتجاه المجتمع والوطن؛ كونه يحمل روحَ المصلح دون الاكتراث بالعواقب وقد كنا شهوداً على نمو تلك البذرة الطيبة التي غرسها الشهيد القائد والتي رويت بدمائه الطاهرة ودماء رفاق الدرب -سلام الله عليهم- وكنا شهوداً على ثمار تلك التضحيات والإنجاز لشخصٍ فهم معنى العبودية لله ومعنى الاستخلاف في الأرض.