بقلم / عبدالقوي السباعي
ثلاثون يوماً فقط تفصلُنا على انتهاءِ الهُدنة الإنسانية العسكرية الأممية المزعومة، والتي مضى عليها ثلاثةُ أشهر دون تحقيقِ أية إنجازات ملموسة تضافُ إلى رصيدِ أدعياء السلام في محاولات إنصاف الشعب اليمني، أَو حتى الحد من معاناته، على مدى ثماني سنوات من العدوان والحصار.
ثلاثةُ أشهر من الحديث عن الهُدنة وعن السلام، وبات الجميعُ يتكلمُ عن أبجديات السلام، وعن ضرورة إيجاد حلول جذرية لإنهاء الحرب العبثية والعدوان الظالم، والشروع بحلحلةِ مِلفات الأزمة السياسية والاقتصادية حتى الاجتماعية، لكن لا أحد يمتلكُ الرؤيةَ الواضحة للكيفية التي سيتم بها فرضُ إيقاف الحرب والولوج في عملية سلام عادل وشامل، وإنْ وجدت بعضُ الرؤى فهي رؤًى ضبابيةٌ غيرُ صالحة للاستخدام، كما أنها غيرُ مستدامة، بل هي عبارةٌ عن رؤًى آنيةٌ لحظيةٌ قدمتها المطابخُ الأمريكية؛ لذَرِّ الرماد على عيون الجماهير، من أن تتجهَ صوبَ ما يدور حولها فعلاً من تهيئة لمخطّطات وأجندات مرسومة بعناية والتي تستهدفُ الأرضَ والإنسان اليمني ككل.
لذلك حين يتحدثُ أحدُهم عن السلام في اليمن عليه أولاً أن ينطلقَ من الواقع والأسباب الحقيقية التي أَدَّت إلى هذه الحالة، عليه في البداية أن يفهمَ ويعرفَ ويعلمَ حقيقةَ وطبيعةَ تفكير وأجندات تلك القوى والتحالفات الدولية التي تسبَّبت بكل هذا السقوط والانقسام والتيه والخراب والدمار والمعاناة، حتى لا يضحكَ على نفسه، ولا يضعَ نفسَه في موقف المشكوك بأمره.
لقد باتت صنعاءُ ومن ورائها كُـلُّ أبناء اليمن الشرفاء يدركون جيِّدًا وبما لا يدعُ مجالًا للشك أن الطريقَ إلى السلام لن يكونَ إلا بالعبور نحو الطريق التي أَدَّت إلى فقدانه، وهي الطريقُ المفروضة عليهم، طريقُ الحرب المفروضة عليهم، منذ ما يقارب عقد من الزمن.
الطريقُ إلى السلام، لا تعبِّدُه الطاولاتُ والتنازلاتُ وتمريرُ الهُدن التخديرية، الطريقُ إلى السلام لا يمُرُّ إلا عبرَ بوابة المسيَّرات والصواريخ البالستية، وخشوم البنادق في أيادي رجال الرجال في مختلف الجبهات، هي وحدَها من ستحقّقُ ما عجزت عنه دواوينُ السلام، قطعاً فَـإنَّ هذا الحلَّ العدمي هو ما يجعلُه اليومَ أحدَ الخيارات المثالية، فهو الطريقُ التي ستحرِّرُ الأرض وتصون العرض، وتجسِّدُ العزة والكرامة، وتعيد الحقوق وتنصف الضحايا.
صحيحٌ أن الجميعَ سَئِمَ الحرب، ولا أحد يريدُ هذه الحربَ المفروضة علينا، والتي اكتوى بها الجميعُ وبما يكفي، لكن من سيقنعُ تلك الأدواتُ الرخيصةُ وتحالُفُهم المزعوم بهذا؟!، حتى وإن اجتهدت صنعاءُ في تقديم التنازلات والمبادرات من طرف واحد، ستخرج أبواقُ تحالف العدوان ومطابخُ مرتزِقتها وأدواتها بالقول: “صنعاءُ مَن تعرقل السلام..!”؛ لكسب الوقت وإنهاكاً للشعب أكثرَ فأكثر.
لذلك، كُـلُّ الطرق تؤدِّي إلى الجبهات، وإلى ما وراء الحدود، وإلى أعالي البحار، فهي وحدَها الضامِنُ الحقيقيُّ للوصولِ إلى سلامٍ عادلٍ وشاملٍ ومستدامٍ، ولا شيء غير ذلك سيضمَنُ إيقافَ نزيف الدم اليمني، يضمنُ وقفَ النهب والعبث بخيراته ومقدراته، فإنجازُ النصرِ على التحالف -أصيلِه ووكيلِه وأوراقِه- يبدو الخيارَ الوحيدَ، وغيرُ ذلك معناه مضيعةٌ للوقت ومضاعَفةٌ للكلفة وزيادةٌ في عددِ الضحايا.