زيد الشُريف
ولاية أمر المسلمين في منهجية الإمام علي عليه السلام لها مواصفات ومقاييس ومعايير عظيمة وراقية ومهمة أبرزها إقامة العدل والقسط وإماتة الباطل والجور والظلم والفساد، وقد تحدث الإمام علي عليه السلام في خطبه ومواعظه ورسائله في نهج البلاغة، وفي عهده المشهور لمالك الأشتر بشكل واسع ومفصل وبالشكل الذي يستطيع كل إنسان مسلم أن يحصل على رؤية شاملة ومكتملة عن ولاية الأمر في الإسلام في مختلف المجالات بسلبياتها وإيجابياتها وضوابطها وكيفيتها وأهدافها ودستورها وتشريعاتها ونتائجها وثمارها وعلاقتها بالله تعالى وعلاقتها بالإنسان والمجتمع بشكل عام وكيف يجب أن يكون ولي الأمر في أعماله وأقواله وتصرفاته ومواقفه وفي علاقته هو بالله تعالى وفي علاقته بالناس وليس هذا فحسب بل إن الإمام علي عليه السلام ركز بشكل واسع على كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الوالي بالرعية مؤكداً أنها يجب أن تكون قائمة على الرحمة والمحبة واللطف بهم مشيراً إلى ضرورة وأهمية أن يستشعر الوالي في أعماقه وأقواله وأفعاله أن المُلك كله لله تعالى ويعي ذلك جيداً فلا يغتر ولا يتجبر ويدرك انه في موقع مسؤولية أمام الله وأمام عباده.
الإمام علي عليه السلام عندما بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان قال لهم (دعوني والتمسوا غيري، واعلموا اني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، إلى أن قال: فإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خيرٌ لكم مني أميرا)، وهذا قمة التواضع وقمة الصدق والحب والاهتمام وهو بمثابة درس وعبرة لكل زمان ومكان حيث يثبت الإمام علي بهذا انه شخصياً ليس لديه رغبة في السلطة وفي حال تولى أمر الأمة فسوف يسير بها على صراط الله المستقيم ويحكمها وفق ما أنزل الله تعالى في كتابه وحينها لن يكون هناك مكان للمحسوبيات ولا للاستغلال ولا للمجاملات بل يكون العدل هو الذي يحكم الناس لهم وعليهم، وقال عليه السلام في كلام له خاطب به طلحة والزبير، مذكور في كتاب نهج البلاغة (والله ما كان لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها فلما أفضت إليّ نظرت في كتاب الله وما وضع لنا وامرنا بالحكم به فاتبعته)، مؤكداً بهذا الكلام انه ليس باحثاً أو ساعياً وراء السلطان وانه بعد أن بايعه الناس وحملوه أمانة حكمهم وولاية أمرهم فاستجاب لهم والتزم في ذلك بما أمر الله به ووجه إليه في القرآن الكريم وليس له رأي شخصي أو دستور مخالف للقرآن بل هو متبع للقرآن باعتبار القرآن وحي الله ونوره ودستوره وهو ما يقتضي العمل به والحكم على أساسه لما فيه مصلحة الناس في الدنيا والآخرة.
الإمام علي عليه السلام كان يقول بالنص الواضح والصريح (إن خلافتكم أو إمارتكم هذه لا تساوي عندي شراك نعلي هذا إلا أن أقيم حقاً أو أميت باطلاً)، لأنه يعرف أن من يعشق السلطة، هو نفسه من يمكن أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كرسيه ومنصبه، وهذا ما أكده الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمة الله وسلامه عليه في محاضرة دروس ومن وحي عاشوراء، مشيراً إلى أنه لا قيمة لدولة تحكم باسم الإسلام, ويتربع زعيمها على رقاب المسلمين, وعلى عرش البلد الإسلامي، ثم لا يكون همه أن يحيي الحق ويميت الباطل؟. لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر, ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة، وقيمة ولاية الأمر تكمن في إقامة الحق وإماتة الباطل على أساس الإسلام لما فيه الخير للأمة في دينها ودنياها وآخرتها، أما من يعشق المنصب والوجاهة والسلطة ويصل إلى سدة الحكم فإنه سيضحي بالدين ويضحي بالأمة مقابل البقاء في السلطة ولن يكون كل همه هو أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، ولا أن تقوم شريعة الله فتكون هي التي تحكم عباده بل سيكون همه كيف يستمر في الحكم إلى ابعد مدى ولو كان العدل غائباً والحق ضائعاً.
لقد سطر الإمام علي في عهده لمالك الأشتر منهجية إسلامية قرآنية لكل زمان ومكان عن ولاية الأمر في الإسلام حيث رسم طريقاً واضحاً مستقيماً لكل من يلي أمر هذه الأمة وفق ما يريد الله تعالى، فلم يترك جانبا من جوانب ولاية الأمر إلا وتحدث عنه موضحاً بذلك كيفية ولاية الأمر في الإسلام والتي يجب أن تكون قائمة على أساس أن المُلك كله لله، وأن الله تعالى قد شرع التشريعات وسن القوانين ولم يبق سوى إقامتها والحكم بها على أساس العدل حين قال (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك) مؤكداً وموضحاً كيف يجب أن تكون العلاقة بين الوالي والرعية علاقة قائمة على العدل والحق والإنصاف بداية من الوالي نفسه ومن أقاربه في الحقوق والواجبات إلى آخر فرد في المجتمع وفق ما نصت عليه سور وآيات القرآن الكريم، ولم يغفل الإمام علي عن أي طبقة من طبقات المجتمع والمقصود بالطبقات الاجتماعية في منهجية الإمام علي هي طبقات العمل والمسؤولية والفقر والغنى وليست طبقات عنصرية أو مناطقية وكلامه واضح (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) ويكفينا قوله عليه السلام (إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية).