تفرَّدوا في الحُـبِّ والولاء

تفرَّدوا في الحُـبِّ والولاء

د. فاطمة بخيت

نعمةٌ عظيمةٌ مَنَّ بها المولى عزَّ وجلَّ على أبناء هذه البلدة الطيبة عندما غرس في قلوبهم محبةَ خاتم أنبيائه ورُسُلِه منذ أن بُعث بالرسالة -صلى الله عليه وآله وسلم- وحتى عصرنا الحاضر، محبة كبيرة ومتميزة ترجمتها وعبرت عنها الكثير من المواقف والتضحيات التي قدمها الأنصار وأبناء وأحفاد الأنصار على مر التاريخ الإسلامي لنصرة هذا الدين ونصرة نبيه ومواجهة أعدائه، فتفرّدوا بتلك العلاقة الحميمة فسطّرها التاريخ على أنصع صفحاته.

وتتجلى علاقتُهم أكثَرَ بهذا النبي الكريم في عصرنا الحاضر عن طريق التمسك بنهجه، ورفع ذكره والفرح بمولده، فما أن يبدأ شهر صفر أيامه الأولى حتى يبدأ شعبُ الإيمَـان والحكمة بمختلف فئاته وأطيافه بالإعداد والاستعداد لاستقبال مَن بمولده أشرقت الأكوانُ واستبشرت، مجدّدًا العهدَ والولاءَ لنبي الرحمة، فيقيمُ الاحتفالاتُ والفعالياتُ ويعلّق الزينة بأنواعها، ويفرح الكبير والصغير وينتظرون قدومَ يوم مولد هادي البشرية ومنجيها بكل شوق ولهفة، حتى تميّز في إحيائها بشكل لا يوجد له نظيرٌ في كُـلّ بلدان العالم، وكأنه بذلك يتهيأُ لاستقبالِ الرسول الله الأكرم، كما ظل أجداده يتهيؤون لاستقباله لأيام، منذ أكثر من ألف وأربعمِئة عام، وما أن رأوه حتى قاموا باستقباله بالأهازيج والنشيد الذي سيظل يُردّد حتى آخر أَيَّـام الدنيا.

مظاهر لا تقتصر على الاحتفال فحسب، بل بالتحَرُّك الفاعل في المجال الثقافي لاستلهام الدروس والعبر من سيرته العطرة -صلى الله عليه وآله وسلم- وتوسيع العمل في مجال الإحسان استجابةً لله ورسوله وعلَم الهدى السيد عبدالملك الحوثي –يحفظه الله- الذي يحثنا دوماً على الإحسان للفقراء والمحتاجين ولا سيما في ذكرى مولد سيد المحسنين وخير خلق الله أجمعين، والذي بدوره أصبح مظهراً من مظاهر استقبال هذه المناسبة العزيزة على قلوب اليمنيين؛ لتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي، خَاصَّة ونحن نعيش في هذه الظروف الصعبة نتيجة العدوان والحصار المفروض على بلدنا.

وعلى الرغم من كُـلّ حملات التشويه التي يقوم بها المنافقون ضد إقامة هذه المناسبة، إلا أنّها لم تؤثر في إقامتها أَو تحد منها، بل في كُـلّ عام تتزايد مظاهر الفرح والسرور وتتنوع الأفكار والابتكارات في الاحتفال بها، وتتزايد أعدادُ المحتفلين نتيجة وعيهم المتنامي بأهميّة إقامتها وإحيائها.

وكلما زاد حكام العرب المنافقون هرولة نحو التطبيع مع اليهود، زاد اليمنيون حباً وتمسكاً واقتدَاء بنبي الرحمة، وكلما زاد التشويه لهذا النبي العظيم من قِبل أعداء الدين، زاد اليمنيون نصرةً لنبيهم ولمبادئه وقيمه العظيمة.

وما نشاهدُه من نصر وتمكين من حين إلى حين على الرغم من العدوان والحصار والقتل والدمار ما هو إلا ثمرةٌ من ثمار التولي لله تعالى ورسوله وأعلام الهدى من أهل بيته، وثمرة من ثمار المشروع القرآني الذي أحيا فينا الإسلامَ المحمدي الأصيل من جديد، طريقَ نجاة الأُمَّــة ومصدرَ عزتها وكرامتها.

ولن ينقذَ الأُمَّــةَ مما تعانيه من مظاهر الضلال والانحراف سوى العودةِ والتمسكِ بالرحمة المهداة للبشرية، والاقتدَاءِ به والسيرِ على نهجه ونهج أعلام دينه الذين أوصى بالتمسُّك بهم للأمن من الضلال. فنحن لا نُحْيي ذكرى مولده فحسب، بل ذكرى مولدِه مَن تحيينا.