(قصتي مع الانسانية)
2000 يوم من الإنسانية الزائفة
منذ صغرنا ونحن ندرس ونتعلم أن للإنسان حقوق وقوانين حفظناها عن ظهر قلب ومنظمات راعية لحقوق الأنسان تمنحه اياها في وقت الحرب والسلم.
كنا نعتقد أن إنسانية البشر هي من تحكم هذا العالم وتجعل الحياة جنة، وأنها تسمو على كل السياسات والمغريات، ولا يمكن أن تحيد عن الحق أو تميل أو تجامل أحد على حساب الآخر.
ولطالما بهرتنا قصص الغرب عن الإنسانية ، وكثيراً ما أبكتنا روايات عن تعامل الغرب مع الحيوانات، وكثيراً تأثرنا بمحاكمة امرأة عاقبت قطتها.. وكثيراً تأثرنا بما سمعناه عن تعامل الأطباء الأجانب -الذين لا يعلمون عن الاسلام شيئا- لما يحملونه من الإنسانية.
لا زلت أتذكر دموع طبيب كوري كنت اعمل معه في نفس المشفى رأيته يبكي مريضه اليمني غير القادر على شراء علاجه، تأثرت بإنسانيته التي فاقت كثيراً إنسانيتنا لدرجة أنني تمنيت يوماً لو كنت من إحدى تلك الدول التي تحترم الأنسان وحقوقه وتحترم حتى حقوق الحيوان والشجر والمناخ والبيئة، فجعلوا لكل واحده منها يوماً عالمياً كيوم للطفولة يوم الصحة يوم الأم ويوم والعمل الانساني وهكذا..
يوم تمنيت ذلك لم يخطر ببالي حسابات الدين اذا كانت جنسيتي أجنبية ومن المسلمين في تلك الدول.. كان كل همي أن احيا في وسط ينعم بتلك الإنسانية منبهرة بتأريخ وواقع جعلني أنظر للغرب وكأنهم ملائكة..
حتى جاءت الحرب على اليمن التي كانت بمثابة عقاب لنا على حلمنا، حلم تخلينا فيه أننا محميون بمبادئ وقواعد الانسانية غير آبهةٍ بانتمائنا الإسلامي والعربي.
كم كان ظني عفوياً بريئاً حين ظننت أن العالم سيثور لأجلنا.. لأجل أولئك الاطفال المدفونة جثثهم تحت أنقاض المنازل.. لأجل الأشلاء الممزقة بين الركام، ظننت شعوب العالم ستخرج بدوافع الإنسانية رافعين يافطات الغضب ضد الحرب، منادين بوقف الحرب على اليمن، كنت أعتقد بغباء أنهم سيثورون ضد الدول الراعية لهذا العدوان لأجل بلدي التي تدمر وتحرق، وتغزوها طائرات تقضي على الأخضر واليابس، مرت الأيام وكثرت الضحايا والعالم صامتون والإنسانية متجمدة لا حراك فيها وكان الجميع ينتظرون نهايتنا.
قضينا ساعاتنا وايامنا وشهورنا حياة تحت القصف وطفولة بين الأنقاض ومجتمع مضروب عليه أبشع أنواع الحصار العالمي ولا أحد ينبت ببنت شفه في هذا العالم.
مرت أكثر من ألفي يوم ونحن نقارع الظلم وحدنا ونبكي وطناً يدمر ولا يبكيه غيرنا أحد، وأشقاء وأقرباء يرحلون وكل يوم نودع أخ هنا، وصديق هناك، أطفال لا يجدون كسرة خبز أو مفقودين تحت ركام المنازل المقصوفة.. وأشلاء بشرية اختلطت وعجزنا عن معرفة صاحبها أهي لهذا الطفل أم لذاك؟ فلم يعد بإمكاننا التمييز بينها..
وحده الحزن كان وفياً لنا ولم يفارقنا ووحدها الدموع كانت المواسية لكل أم وأب وطفل وشيخ على ما يحل بهذا الوطن وهذا الشعب.. كانت دموعنا قوتنا الوحيد لتجعلنا أقوياء مدافعين عن انفسنا..
رمينا ما درسناه عن إنسانية العالم المزيفة وتعلمنا الا نعول على أحد من أدعيائها في الشرق أو في الغرب، والا ننتظر إنسانيتهم الخداعة لتنتشلنا من هذا الواقع السيء المليء بالظلم..
تعلمنا معنى الثقة بالله والانتصار به وحده فأمدنا بالقوة والثبات.. فأحيا فينا ذلك الكرامة والاعتزاز بيمننا وبأسنا الذي وصفه بالشديد في كتابه العزيز، وكانت وعوده بنصرة المظلومين بمثابة جرعات من الصمود والصبر والتحدي والمواجهة التي خلصتنا من رواسب ومخلفات الخذلان.
لقد كان خذلان ونفاق العالم الأشد وقعاً على قلوبنا، ولكنه لم ولن يقف حاجزاً بيننا وبين الدفاع عن كرامتنا.. فاستطعنا معرفة مكامن قوتنا التي أمدنا الله بها وجعلتنا نقاوم ونصمد دون انتظار لمساعدة أحد من مجتمع دولي اصطف كله ضدنا مسانداً الظالم.
أكثر من ألفي يوم تعرفنا خلالها على مستوى النفاق المخيم على الإنسانية التي خُدعنا بها..
أكثر من ألفي يوم تعلمنا في كل يوم منها حقيقة من حقائق زيف الإنسانية الدولية المكذوبة.. فقد وجدنا انسانية طائفية وعنصرية لا تمنح إلا للغرب غير المسلم وللمجرمين الصهاينة.. إنسانية التمييز بين بني الانسان وحتى بين الجنس الحيواني وفقا لانتمائه الأجنبي دون غيرهم..
منذ بدء العدوان عرفنا وتأكد لنا أن هذا العالم بأسره يحكمه المال وتجار الحروب.. أما الإنسانية التي كنت أعتقدها ببراءتي فقد صدمتني وأدخلتني في غيبوبة حلم كاذب.. ايقظني منه حقيقة العدوان الوحشي على وطني وما قابله من صمت دولي عما يجري بحق شعبنا وبلدنا والمستضعفين من جرائم إنسانية بشعة..