{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وهنا في الآية قدَّم الإمام علياً بمواصفاته الإيمانية الراقية، وقدَّمه في حديث الغدير باسم وشخصه، بالاسم والإشارة بشكلٍ مباشر، ثم يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، لا تكتمل للأمة المنظومة الإيمانية والدينية الكاملة، ولا يكتمل لها المنهج الإلهي في واقع حياتها بشكلٍ صحيح على مستوى التبليغ، وعلى مستوى التطبيق، إلَّا بمبدأ الولاية، وهو الذي يحقق لها كل ذلك، ويترتب عليه هذه النتائج المهمة: أن تتم النعمة في أثرها في واقع الحياة، وأن يكتمل للأمة ما تسعى إليه من أن تكون أمةً عظيمةً، وأمةً قويةً، وأمةً في مستوى مواجهة التحديات والأخطار، وفي مستوى الغلبة لأعدائها. الأمة ستعيش حتماً حالة الصراع، وحالة الاستهداف.
من أبرز مظاهر النعمة الإلهية، ومن أهم ثمرات مبدأ الولاية الإلهية، ومن أهم تجليات ونتائج الالتزام بالمنهج الإلهي: أن تكون هذه الأمة قوية ومنتصرة، وأن تغلب أعداءها، وهذا فقدته الأمة إلى حدٍ كبير، مما دفع بالكثير من أبناء الأمة أو بالبعض منهم إلى أن يتجهوا اتجاهاً آخر: باتخاذ اليهود والنصارى أولياء. الذين يوالون أمريكا اليوم من أبناء الأمة، هم يتناقضون تماماً مع هذا المبدأ العظيم، يتخذون أعداء الإسلام أعداء الأمة أولياء، بدلاً من أن يوالوا الله -سبحانه وتعالى-، بدلاً من الإيمان بولايته -سبحانه وتعالى-.
فنجد هنا في قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، ضمانةً إلهية، ووعداً مؤكداً من الله -سبحانه وتعالى-، أن تكون هذه الثمرة ثمرة التولي لله -سبحانه وتعالى- وفق هذا المفهوم القرآني العظيم، الذي يصلنا بمنهج الله بشكلٍ صحيح، بدون نقصٍ ولا تحريف.
خلاصة المسألة أنَّ الأمة عانت إلى حدٍ كبير في واقعها من مشكلة النقص والتحريف، وأنَّ هذا النقص في التولي لله، ولرسوله، وللإمام علي -عليه السلام- وفق هذا المفهوم القرآني، أثَّر عليها في مستوى وعيها وفهمها لهذا المنهج الإلهي، وفي مستوى تطبيقها الصحيح لهذا المنهج الإلهي، وأنَّ هذا النقص الجوهري أثَّر عليها تأثيراً كبيراً في واقع حياتها، في الحصول على ثمرة هذا الالتزام بالمنهج الإلهي كنعمة يتحقق للأمة من خلاله كل آثار هذا الدين، ونتائج هذا الدين العظيمة، الآثار المباشرة لهذا الدين في قيمة توجيهاته، فيما يتحقق به من عدل، فيما يتحقق به من خير، فيما يسمو به الإنسان في نفسه، ويزكو، ويهتدي، ويستنير، فيما تصلح به الحياة، فيما يتحقق في واقع هذه الحياة من نصر وبركات وخيرات… إلى آخر ما يترتب على ذلك من الرعاية الإلهية الواسعة، ثم في الآخرة أيضاً.
كذلك نجد أيضاً أنَّ التأثير السلبي لغياب ونقص هذا المبدأ الجوهري في مدى تفاعل الأمة معه، أثَّر على هذه الأمة بشكلٍ كبير في فهمها للدين، وفي اختلافها على هذا الدين، وعلى مفاهيم هذا الدين، مما أثَّر عليها بشكلٍ كبير؛ حتى غيَّر البعض نظرتهم إلى هذا الدين، فلم يعودوا يرون فيه أنه نعمة، بل يرى البعض فيه أنه عبئ، وينشغل البعض بكل جهدهم وبكل اهتمامهم في البحث عن بدائل عن هذا الدين في شتى مجالات الحياة، مما يزيد الأمة شقاءً وخسراناً، ويمكِّن أعداءها منها.
سدُّ هذه الثغرة في البحث عن بدائل من هنا وهناك، بدائل تمكِّن أعداء هذه الأمة من رقاب هذه الأمة، من السيطرة على هذه الأمة، بدائل تذهب بالبعض من أبناء هذه الأمة- بالرغم من انتمائهم إلى هذا الدين- إلى أن يستوردوا من أعداء الأمة ما يعتمدون عليه في مسيرة حياتهم بإعجاب، باندهاش، بتفاعل، بنظرة غريبة جدًّا، غير صحيحة وغير واقعية؛ لأن ما يأتينا من الأعداء ليس إلَّا ضاراً لنا، لا يخدمنا، ولا يصلح لحياتنا، ولا يفيدنا في واقع حياتنا، ولا يبنينا أمةً عظيمة، أمةً لها شرف الانتماء لهذا الدين، للرسالة الإلهية بكل ما تمثله من شرفٍ كبير، ومن خيرٍ عظيم في الدنيا والآخرة.
فالآيات القرآنية بمجموعها: في آية البلاغ، وفي نص البلاغ أيضاً (النص النبوي من النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-)، وفي آية الولاية في سورة المائدة، وفي النص القرآني المبارك: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، كل هذا يبيِّن لنا أهمية هذه المسألة، وأن نجعل من هذه المناسبة محطةً لترسيخ هذه المفاهيم القرآنية، وللسعي نحو إعادة هذه الصلة من خلال التولي لله ولرسوله وللذين آمنوا، وفق هذا المفهوم القرآني الذي يعزز ارتباطنا بشكلٍ صحيح وبشكلٍ تام بهذه الرسالة الإلهية، وبهذا المنهج الإلهي؛ وبالتالي نحظى بولاية الله -سبحانه وتعالى- وبرعايته، بولايته هدىً ونوراً، بولايته نصراً، بولايته بركات، وبولايته أيضاً رعاية شاملة لنا في مختلف شؤون حياتنا، ورعاية منه -سبحانه وتعالى- ورحمةً منه جلَّ شأنه في الدنيا وفي الآخرة، هذا ما يجب أن نستوعبه من هذه النصوص المباركة، وأن نجعل من هذه المناسبة محطةً مهمةً لترسيخه في واقع حياتنا.
وولاية الله -سبحانه وتعالى- كما نجد في النصوص القرآنية- جذَّابةٌ جدًّا، ولا يوجد بديلٌ عنها إلَّا ولاية الطاغوت، وولاية الطاغوت هي امتداد لولاية الشيطان، هي خسرانٌ في هذه الحياة، إنَّ ما يفيدنا كأمةٍ مسلمة، وحتى على مستوى أي مجتمع، أو أي مستوى من أبناء هذه الأمة، أي فريق من أبناء هذه الأمة يتجه هذا الاتجاه، فهو الاتجاه الصحيح، وآيات الله فيه واضحةٌ وجليةٌ وبيِّنة، ووعود الله فيه -سبحانه وتعالى- وعود صريحة ومؤكَّدة وبيِّنة. ومن يتحرج هو من يتجه نحو الطاغوت، أو نحو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، نحو السعي لإيجاد بدائل عن منهج الله -سبحانه وتعالى-، عن هديه، عن تعليماته، مما هي مستوردة من قوى الطاغوت والشر والاستكبار في هذا العالم، هم من هم في الموقف المحرج، المخزي، السيء جدًّا، الضار بأنفسهم، والضار بأمتهم.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة يوم الولاية 1441هـ