إنَّ الله “سبحانه وتعالى” قال في كتابه الكريم آيةً مهمةً عظيمةً مباركة- طالما نتلوها في مثل هذه المناسبات- هي قوله “جلَّ شأنه”: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، فضل الله “سبحانه وتعالى” بكل ما فيه من خيرٍ وشرفٍ، بكل ما فيه من عزة، بكل ما يترتب عليه في واقع حياتنا، هذا الفضل من الله علينا هو يتصل بواقع حياتنا، في أنفسنا، يسمو بنا، نشرف بذلك، نعتز بذلك، نسمو بذلك، تتحقق لنا في واقع حياتنا من خلال هذا الفضل الإلهي أن نجسِّد القيم الإنسانية على أرقى مستوى،
هذا الفضل له أثره في نفسية الإنسان، في مشاعره، في وعيه، في دوره في هذه الحياة، في مسيرته في هذه الحياة، فهو فضلٌ علينا نحن، أثره فينا نحن، تجلياته ونتائجه في واقع حياتنا نحن؛ إنما كيف نتفاعل مع هذا الفضل؟ كيف نتقبل هذا الفضل؟ كيف ندرك أهمية وعظمة هذا الفضل؟ فهذه النعمة الكبيرة مطبوعةٌ بهاذين الطابعين الأساسيين العظيمين المهمين: فضل، ورحمة، فضل بكل ما يعبِّر عنه من شرف، من سمو، من كرامة، من عزة، وأيضاً رحمة، بكل ما يترتب عليها من خلاصٍ لنا في هذه الحياة، خلاصٍ لنا من البؤس،
من الشقاء، من الهوان، من الخزي، من الهلاك، من عذاب الله في الدنيا والآخرة، خلاص لنا من كل ما نحتاج فيه إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى” لينقذنا، ليدفع عنا الكثير من الشرور، الكثير من المصائب، الكثير من أسباب الهلاك والردى، فهي رحمة شاملة في الدنيا، ورحمة عظيمة مستقرها الأبدي والدائم في الآخرة، يعيد لنا الصلة بالله “سبحانه وتعالى” في رعايته الواسعة، والمفتوحة، والشاملة، والممتدة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، الذي هو عالمٌ أبدي لا نهاية له، والذي فيه أرقى نعيم وهو الجنة، وأشد عذاب وهو النار.
فالله “جلَّ شأنه” عندما يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}؛ لأن كل ما يمكن، وأسمى ما يمكن، وأعظم ما يمكن، وأهم ما يمكن أن ينشده الإنسان من خيرٍ لنفسه، وصلاحٍ لنفسه، وفلاحٍ لنفسه، وسعادةٍ لنفسه، هو موجودٌ في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، هو في متناولنا في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، ومنهما نحصل عليه، أنت تريد لنفسك الخير، تريد لنفسك الفضل، السعادة، تريد لنفسك الرحمة، هذه هي الرحمة،
يقدِّمها الله لك في رسوله الكريم، وفي الرسالة التي حمَّله الله إيَّاها، في الرسالة التي أوصلها هذا النبي، والتي خلاصتها الجامعة المصونة المحفوظة هي القرآن الكريم، واقترن به هذا النبي الكريم فجسَّده في أرض الواقع مشروعاً عملياً، وتحرك به، جسَّد أخلاقه، حمل روحيته، تحرك بمقتضى تعليماته وتوجيهاته في واقع الحياة؛ ليحدث أعظم وأهم تغيير في المسار الإنساني، ليعيد للإنسانية اعتبارها، وكرامتها، وقيمتها الإنسانية والأخلاقية، ليعيد لها صلتها بالله “سبحانه وتعالى” في الإطار التشريعي، في الإطار العملي، في إطار المنهج، في إطار مسيرة الحياة، وفي إطار دورها كأمة، وكبشر مستخلفين في هذه الحياة،
فهنا نفرح، نفرح؛ لأننا نريد الرحمة لأنفسنا بدافع الفطرة، نريد الفضل، الإنسان بفطرته يتطلع للرحمة الإلهية بكل مضامينها ومجالاتها، وبكل ما تتصل به في واقع حياته، ويتطلع إلى الفضل الإلهي في كل امتداداته، فهنا الفضل، وهنا الرحمة؛ إنما علينا أن نتفاعل مع هذا الفضل إيجاباً، مع هذه الرحمة إيجاباً، أن نُقبِل إليها، أن نستوعبها، أن نتصل بها، نتصل بها بكل أشكال الاتصال: ثقافياً، فكرياً، عملياً، روحياً، وحينها سنجد كيف ستصنع الأثر العظيم، والتحولات الكبيرة الإيجابية والعظيمة في واقع حياتنا؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” عندما يعرض علينا رحمته، عندما يقدِّم إلينا هذا الفضل، ويقدِّم إلينا هذه الرحمة، فهو قد أتمَّ النعمة، وأكمل الحجة، بقيت المسؤولية علينا نحن كيف نتعامل مع هذا الفضل؟ كيف نتفاعل مع هذه الرحمة؟ بقدر ما نتفاعل؛ بقدر ما نرى النتائج تتجسد في واقع حياتنا، وتتحقق في مسيرة حياتنا وفي واقع حياتنا، هذه الرحمة هي لنا نحن كبشر في واقع حياتنا، ليست مسألةً هناك بعيدة، بل إنها هنا، وهي أيضاً- كما قلنا- للعالم الأبدي القادم، الذي هو عالم الآخرة أيضاً.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، عندما نستوعب وندرك جيداً أهمية هذه النعمة العظيمة من الله، وما يترتب عليها في واقع حياتنا، وأنها صلةٌ لنا بالله “سبحانه وتعالى”، نحظى من خلالها بمعونته، نحظى من خلالها بالخير من عنده، برعايته الشاملة والواسعة، بتوفيقاته، بألطافه العظيمة، ونحظى بنصره، ونحظى بتأييده، نحظى بكل ما ننشده من الفلاح، عندما نستوعب وندرك عِظَم هذه النعمة؛ سنفرح، سنفرح من أعماق قلوبنا، من أعماق أنفسنا؛ لأن فرحنا- أيُّها الإخوة- بهذه النعمة، بهذه الرحمة، بهذا الفضل، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى” في كل واقع حياتنا، في كل شؤون حياتنا، في كل مجالات حياتنا نحتاج إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى”، ونحتاج إلى فضله.
عندما نستوعب وندرك هذه الرحمة وهذا الفضل؛ سنفرح من أعماق أنفسنا، ثم نعبِّر عن هذا الفرح في واقعنا، بكل ما يجسِّده هذا الفرح، فنرى في هدي الله “سبحانه وتعالى”، في رسوله، وحركة رسوله، وما قدَّمه رسوله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أنه الخير، أنه الصلاح، أنه الفلاح، أنه الذي به نسعد، نفوز، نفلح، نعتز، نكرم، أنه الذي به تصلح حياتنا، ويستقيم شأننا، نتفاعل مع ذلك بالفرح، بإدراك أنه نعمة، بإدراك أنَّ كل تلك التوجيهات الإلهية، وأنَّ هذا المنهج العظيم الذي أتانا به رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” مبلِّغاً عن الله، وكان هو القدوة في تجسيد هذا المنهج،
وفي الالتزام بهذا المنهج، وفي العمل بهذا المنهج، وقدَّم التجربة العملية الراقية العظيمة الناجحة التي أحدثت تغييراً كبيراً في واقع الحياة، ندرك أنَّ هذه نعمة فنسعد بها، نبتهج بها، تؤسس هذه لعلاقة مع الله “سبحانه وتعالى” من موقع التعامل مع المنعم العظيم، مع الله ربنا الكريم، ثم نعبِّر عن هذا الفرح أيضاً في ابتهاجاتنا، في مناسباتنا، في فعالياتنا، ونتوجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالشكر، ونسأله أن يوفِّقنا للشكر.
أهمية هذه المناسبة المباركة: أنها تتصل بموضوعٍ رئيسيٍ من المواضيع الإيمانية، إيماننا بالله، إيماننا بملائكته، إيماننا بكتبه، إيماننا برسله، إيماننا باليوم الآخر… كل العناوين الإيمانية مفتاحها الأول هو الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، والرسالة الإلهية التي أتت إلينا من خلاله، وبعثه الله بها.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
نص كلمة السيد في افتتاح الفعاليات والأنشطة التحضيرية لمناسبة ذكرى المولد النبوي 1442 هـ