الإمام عليٌّ -عليه السلام- الذي قال عنه الرسول -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-: (عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ)، الذي أخبر الرسول -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- أنه سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي على تنزيله، الذي أخبر عنه النبي أنه مع الحق والحق معه لن يفترقا، الذي أخبر عنه النبي أنه منه بمنزلة هارون من موسى إلَّا النبوة، قام بدورٍ كبيرٍ جدًّا في الحفاظ على امتداد هذا الحق، ومن بعده الحسن والحسين -عليهما السلام- سيِّدا شباب أهل الجنة.
الإمام عليٌّ استشهد وهو يؤدِّي هذا الدور المهم، والحسنان السبطان -عليهما السلام- استشهدا وهما يؤديان هذا الدور المهم، زين العابدين -عليه السلام- كان أيضاً امتداداً لهذا المسار في هداية الأمة، في خط الهداية، في الحفاظ على صوت الحق؛ كي يبقى موجوداً وقائماً في هذه الأمة، ابنه الباقر -عليه السلام- كان كذلك امتداداً لهذا النور، لهذا الهدى، لهذا الخط الأصيل من الهداية، الحسن بن الحسن -عليهما السلام- كان أيضاً في هذا الامتداد لهذا الصوت، ومعهم أخيار هذه الأمة، صلحاء هذه الأمة، أبرار هذه الأمة، الذين وقفوا إلى جانبهم، وقدَّموا التضحيات في صفهم، هؤلاء كانت قضيتهم هي الحفاظ على الإسلام، على امتداده، على الحق، على صوته أن يبقى قائماً في واقع هذه الأمة، وأسهموا إلى حدٍ كبير من منع حالة الانحراف تلك وحالة التحريف حتى لا تضيع هذا الإسلام بالكامل، بقي للحق صوته، بقي للحق امتداده بتلك التضحيات، وبتلك الجهود، وبذلك العمل الدؤوب الذي قاموا به في واقع الأمة، وكانت الحالة التاريخية حالة ساخنة جدًّا بالصراع الذي هو في حقيقة الأمر صراعٌ بين الحق والباطل، بين النور والظلام، بين الهدى والضلال.
الإمام زيدٌ -عليه السلام- كان معاصراً لهشام بن عبد الملك بن مروان، وهشام هذا هو من طغاة بني أميَّة، وبلغ كذلك مستوى فظيعاً من الطغيان والظلم والإجرام في هذه الأمة، هو من بلغ به الحد إلى أن خطب في الحج في مكة المكرمة، وكان أهم نصٍ في خطابه هذا وأهم فقرة أن قال للناس جميعاً في مقام الحج، في مقام هو مقام من مقامات العبودية لله، والطاعة لله، والتقوى لله، من أهم ما في الحج التزود بالتقوى، أن قال هناك في ذلك المقام: (والله لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله إلَّا ضربت عنقه)، تخيلوا من له هذه النفسية، وهذه الطريقة في التفكير، من له هذا التوجه الذي يؤكِّد أنه على انحرافٍ تام عن تقوى الله -سبحانه وتعالى-، وإلى درجة أن لو يأمره أحد بتقوى الله، فإنه أقسم أن سيضرب عنقه، هكذا يتخاطب مع الأمة: بتكبر، بغطرسة، المنطق نفسه منطق تكبر، منطق غطرسة واستعلاء وعتو، ومنطق كفرٍ وفسق، ليس هناك أحد فوق أن يُؤمَر بتقوى الله، الله يقول حتى لنبيه -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}[الأحزاب: من الآية1]، تأتي كل الأوامر بالتقوى في القرآن الكريم للمؤمنين في المقدمة بأكثر من بقية الأوامر لكل الناس، هناك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، إلَّا أنَّ الأمر بالتقوى للمؤمنين يأتي بأكثر من الخطاب العام، هذا يتعامل مع الأمة بهذه الطريقة؛ لأنه لا يريد أن يتقي الله لا في سياساته، لا في مواقفه، لا في برنامجه الذي سيدير به واقع الأمة من خلاله، كله منحرفٌ عن تقوى الله -سبحانه وتعالى-، كله في اتجاه الباطل، في اتجاه الظلم، في اتجاه الفساد، في اتجاه التضليل، ولا يريد أن يزعجه أحد بأن يقول له: (اتق الله)، الإمام زيدٌ -عليه السلام- هو الذي كسر هذا الحاجز، هو الذي تحدى هذا الطغيان، الإمام زيدٌ -عليه السلام- عندما وصل إلى هشام وقد عرف أنه هدد وحذر وتوعد من يأمره بتقوى الله قال له: (اتق الله يا هشام)، (اتق الله)، غضب هشام وانفعل: (أومثلك يأمر مثلي بتقوى الله)، وأجاب عليه الإمام زيدٌ -عليه السلام- بكلمته الشهيرة: (إنه ما من أحدٍ فوق أن يُؤمَر بتقوى الله، وما من أحدٍ دون أن يَأمُر بتقوى الله).
في ذلك المقام الذي سمع فيه الإمام زيدٌ -عليه السلام- اليهودي في مجلس هشام يسب رسول الله، وقف الإمام زيد -عليه السلام- الموقف الذي يفرضه عليه دينه، الذي يفرضه عليه انتماؤه لهذا الإسلام، غضب، هنا توجه الإساءة إلى مقدس من أقدس مقدسات المسلمين: إلى رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، انتهر ذلك اليهودي وهدده، لكنَّ هشاماً وقف إلى جانب ذلك اليهودي.
حينما نرى من هم في هذه الأمة يتقلدون زمام الأمور وفي موقع السلطة والحكم يقفون في صف اليهود المعادين لهذه الأمة، في صف أعداء هذه الأمة، في صف أعداء رسول هذه الأمة، وقرآن هذه الأمة، ومقدسات هذه الأمة، ماذا يعني ذلك؟ هذا مؤشر على خطر كبير جدًّا يتهدد هذه الأمة، ثم هو دليلٌ واضح على أنهم وصلوا إلى أسوأ مستوى من الانحراف، الحالة خطيرة جدًّا، حينها يجب أن يكون الموقف هو الموقف المسؤول.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد 1442هـ