لا تعطني سمكةً ولكن علّمني كيف اصطاد

لا تعطني سمكةً ولكن علّمني كيف اصطاد

د. حبيب الرميمة

يكثُرُ تداوُلُ هذه المقولة المشهورة عند الحديث في جوانب المساعدات المتعلقة بالتنمية البشرية والتنمية الاقتصادية للدلالة على التحول في مفهوم التنمية من الجوانب الشخصية إلى الركائز الموضوعية وإيجاد مصادر دخل ثابتة، بحيث تسهم هذه المساعدات في إيجاد نظام يخرج الفئة المستهدفة من المساعدة من فئة المعالين إلى فئة المنتجين.

وهذا ما ينبغي العمل عليه والاستفادة منه في ظل التوجّـه الثوري الذي تنهجه بلادنا وقيادتنا السياسية والثورية، انطلاقاً من مشروع الإدارة الاقتصادية المعتمدة على الركائز الشرعية مثل الزكاة والأوقاف.

هذان الموردان اللذان أهملا ردحاً من الزمن في ظل النظام السابق، وأصبحا يقتصران على فئات محدودة لا تمت إلى مصارفهما بصلة.

الآن والحمد لله أصبح المواطن يلمس الكثير من المشاريع التي تنفذها هيئة الزكاة وبعض المشاريع التي تنفدها هيئة الأوقاف، لكن هذه المشاريع بحاجة إلى ترشيد أكثر فأكثر بحيث تكون المحرك الأَسَاس للاقتصاد الوطني، وذلك من خلال التوجّـه نحو المشاريع الاستثمارية التي تؤسس لبنية تحتية سواء في المجالات الزراعية أَو الصناعية أَو السمكية وبما يعود بالفائدة الحقيقية والمستدامة على الفئات المحدّدة بالمصارف الشرعية من جهة، ويسهم في تطوير الاقتصاد الوطني والنهوض به من جهة أُخرى.

على سبيل المثال: ماذا لو تبنت هيئة الزكاة أُسلُـوب تطوير شركات المساهمة، واستغلت المزايا التي يحقّقها هذا النوع من الشركات بالنهوض الاقتصادي، الذي طالما شدّد عليه السيد عبد الملك -حفظه الله- في أكثر من محاضرة.

خُصُوصاً أن ما ينقص هذا التوجّـه (شركات المساهمة) لدى المجتمع في بلادنا هو جانب الخوف والفشل لعدم وجود الشريك الداعم والمؤتمن والسوابق الاحتيالية لمثل هكذا شركات، لكن عندما يصبح هذا النوع من الشركات مدعوماً من جهات تحوز ثقة المجتمع مثل هيئة الزكاة هذا الأمر سيولد الثقة لدى الأفراد المساهمين من جهة وستفتح فرص عمل كبيرة لفئات الفقراء والمساكين في حال كانت لهم الأولوية في التأهيل والعمل في تلك المشاريع، ومن ثم تتحول من فئات معالة إلى فئات منتجة، وصافي الربح الذي يعود للزكاة سيتم توزيعه على المصارف الشرعية.

مثال بسيط من باب تقريب الصورة، ما المانع أن يتم تبني فكرة إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج كشركة مساهمة تسهم فيه هيئة الزكاة بنسبة تسعة وأربعين بالمِئة شريطة أن يكون الأولوية في العمل للأسر الفقيرة، مع إيكال مهمة إدارته للقطاع الخاص لنهج أحدث الأساليب والخطط الإدارية، وكيف ستكون النتائج المتوقعة من استغلال هذه المنشأة المهدورة حَـاليًّا بمساحتها الشاسعة في قلب العاصمة؟

والأمر يسري كذلك بالنسبة لاستغلال المساحات الزراعية الشاسعة، والثروات البحرية، والمعدنية والتي تمثل معظمها ثروات مهدورة.

نفس الأمر ينطبقُ على هيئة الأوقاف التي تستطيع تبني مشاريع وطنية هامة من أراضي الأوقاف الشاسعة المهدورة من خلال شركات مساهمة عقارية لتتحول إلى مدن تلتزم فيها التخطيط الحضري ولو باعتماد البناء الطولي (الأبراج) داخل المدن بما يخفف من الإشكاليات المتعددة للسكن.. ويعود بالربح المستدام للمصارف المحدّدة لها، بحيث تكون شريكاً أَسَاسياً في الاستثمار العقاري وغيرها من المشاريع المستدامة التي تؤمن فرص عمل وتسهم في تطوير البنية التحتية من مصادرنا الذاتية بعيدًا عن برامج المنظمات وقروض التمويل المشبوهة.