وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ

الله "سبحانه وتعالى" عندما يأمرنا بهذا الأمر: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، يجب أن ندرك جيداً أنَّ الله "سبحانه وتعالى" عندما يهدينا إلى الطريق التي رسمها لنا هو، فلأنه ربنا، هو ملكنا، هو إلهنا، هو المنعم علينا، هو رب العالمين،

هو رب السماوات والأرض، ليس- كما كررنا كثيراً في كثيرٍ من المحاضرات- ليس طرفاً فضولياً، وليس جهةً نعتبر أنها جهة تحاول أن تفرض علينا أشياء منها، أو تتدخل في شؤوننا، ونقول: [ماذا يعنيك من أمرنا؟ ما علاقتك بحالنا؟ لماذا تتدخل في شؤوننا؟]، الله هو ربنا، هو خالقنا، هو مالكنا، هو المنعم علينا، هو خالق السماوات والأرض، نحن عبيده، نحن مملوكون له، والسماوات والأرض، وكل ما في هذا العالم، وكل هذا الملكوت هو "سبحانه وتعالى" مالكه وملكه، وهو الخالق "سبحانه وتعالى"، وعندما يأمرنا أو يوجِّهنا، فهو "سبحانه وتعالى" مع أنه ربنا، هو الرحيم بنا، هو أرحم الراحمين، ليس لنا مبرر أن نقول: [هذه تعليمات لم تأتنا من رحيمٍ يرحمنا، أو ليس فيها رحمةٌ لنا]، فليس ذلك صحيحاً، لو قلنا ذلك؛ لما كان صحيحاً؛ لأن الله "سبحانه وتعالى" هو أرحم الراحمين، كل هدايته لنا، كل رحمته بنا، أيضاً من منطلق رحمته بنا.

ولهذا أتى في كتابه المبارك في مطلع كل سورةٍ من سوره، افتتحت بقوله "جلَّ شأنه": {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ما عدا سورة براءة، وكل السور الأخرى (مئة وثلاثة عشر سورة) تفتتح بالبسملة، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، واسمه "سبحانه وتعالى" هو الرحمن، مما تكرر أيضاً في مقدِّمة أسمائه الحسنى، مما تكرر كثيراً في القرآن الكريم، وكذلك من أسمائه الحسنى: الرحيم والرؤوف، وكثير من أسمائه الحسنى التي تفيد الرأفة والرحمة بعباده، وتكررت كثيراً في القرآن الكريم.

ثم من جانب الحكمة، هو أحكم الحاكمين، هو الحكيم، وهو أحكم الحاكمين، ليس في توجيهاته أي عشوائية، ليس فيها أي عبث، ليس فيها أي حماقة، ليس فيها أي جهالة، كلها موزونةٌ بميزان الحكمة، والرحمة، والحق، والخير، والفلاح، لما فيه فلاحنا، لما فيه الخير لنا، ثم أضف إلى ذلك: أنه عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، لا يخفى عليه خافية، لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فلذلك عندما يوجِّهنا، هو العليم بنا، هو العليم بأحوالنا، هو العليم بواقعنا، هو العليم بما فيه الخير لنا، بما فيه الصالح لنا، هو "جلَّ شأنه" من قال: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[آل عمران: من الآية66]، في جهلنا وتصوراتنا الخاطئة، قد ننظر بسلبية إلى بعض التوجيهات من الله "سبحانه وتعالى"، ونتصور كأنها ليست لمصلحتنا، وكأنه لا رحمة فيها بنا، ولكن هذا يعود إلى جهلنا، إلى غفلتنا، إلى عدم معرفتنا بالأمور الكثيرة، إلى غفلتنا، أمَّا الله "سبحانه وتعالى" فهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة، وهو العليم بهذا الإنسان، هو الذي خلق هذا الإنسان، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك: من الآية14]، وهو العليم بما فيه الصالح لهذا الإنسان.

ثم إنَّ الله "سبحانه وتعالى" عندما يقدِّم لنا منهجاً لحياتنا، هو كتابه المبارك، وينسبه إليه فيقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، فهو "جلَّ شأنه" لم يفعل كما يفعل الكثير في هذه الدنيا من الخلق، من الناس، قد يقدِّم لك فكرة معينة، أو مشروعاً معيناً، أو رؤيةً معينة، يكتبها لك وانتهى الأمر عند حد كتابتها لك، بعدها لا يمكن أن ينفعك بشيء.

الله "سبحانه وتعالى" هو مع كتابه، هو الحي القيوم، وكتابه هو منهجٌ يصلنا به، ورحمته "سبحانه وتعالى" مستمرة، ولذلك نجد في كثيرٍ من القرآن الكريم يقرن "سبحانه وتعالى" التوجيهات العملية بالوعد فيما إذا استجبنا، إذا أطعنا، يعدنا بأشياء كثيرة في هذه الدنيا، في هذه الحياة وفي الآخرة، كما أنه يقرن المناهي والنواهي بالوعيد، فعندما ينهانا عن شيءٍ، عندما يحرِّم علينا شيئاً، فهو يحذِّرنا وهو "سبحانه وتعالى" يتقدم إلينا بالوعيد، أنه سيعاقب؛ لأنه الملك "سبحانه وتعالى"، هو الرب، هو ملك السماوات والأرض، له الملك في الأولى والآخرة، في هذه الدنيا، وفي عالم الآخرة.

ولذلك يقترن التوجيه العملي في القرآن الكريم بالوعد وبالوعيد، فالله "سبحانه وتعالى" لم يقدِّم كتابه عبارة عن مادة معينة مصاغة قدِّمت إلينا لنعمل بها وانتهى الحال، هو مع كتابه، هو قدَّم لنا الوعد عندما نتحرك على أساس هديه أن يكون معنا، أن يعيننا، أن يوفقنا، أن يهدينا، أن يؤيِّدنا، أن ينصرنا، أن يفتح لنا البركات (بركات السماء والأرض)، أن يفتح لنا أبواب رحمته الواسعة، أبواب الخير والفلاح في الدنيا، ثم رضاه "سبحانه وتعالى"، ثم مع رضاه في الدنيا والآخرة، الجنة عرضها السماوات والأرض، السعادة الأبدية، النعيم الراقي، النعيم العظيم، الذي ليس فيه أي منغِّص، وهو للأبد، السلامة من عذاب الله "سبحانه وتعالى"، السلامة من الخزي والشقاء في الدنيا

ة، كم في القرآن من وعود كثيرة جداً، ولذلك فهذه الإضافة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي}، لها مدلولها الكبير جداً، هذا هو منهج الله، القرآن هو منهج الله، والله معه، ليس مجرد رؤية، أو مقترحات، أو نظريات مقدَّمة من جهة لا تعمل شيئاً، هذا كتاب الله الملك "سبحانه وتعالى".

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي}، وهذا أمر يمثل جاذبية كبيرة جداً، عندما يقدِّم الله لنا منهجاً نسير عليه، ثم يكون هذا المنهج صلةً لنا به، نحظى من خلال هذه الصلة بهداية الله، برعاية الله الواسعة، بمعونة الله الكبيرة، وما أحوجنا إلى الله! ما أحوجنا إلى رحمته! ما أحوجنا إلى فضله! ما أحوجنا إلى عفوه! ما أحوجنا إلى نصره!

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، هو صراطٌ مستقيم، طريقٌ معبَّدٌ لا اعوجاج فيه، ليس فيه أي اعوجاج، إذا سرت فيه، إذا تحركت في هذه الحياة على أساسه، يوصلك إلى الغايات العظيمة، إلى النتائج الكبيرة والمهمة، ليس معوجاً ينحرف بك فلا تصل إلى الغاية المرجوة، صراطٌ: طريقٌ معبَّدٌ ثابتٌ، وفي نفس الوقت ليس فيه أي اعوجاج، وفي نفس الوقت يتسع لكل الذين يتحركون فيه، يتحركون على أساس الإتِّباع لمنهج الله "سبحانه وتعالى"، يتسع لهم جميعاً، ويوصلهم إلى تلك الغايات العظيمة، وأيُّ غايات أكبر من الغايات التي رسمها الله لنا في القرآن الكريم! الغايات التي تتحقق، والنتائج العظيمة التي يصل بنا منهج الله إليها: رضوانه "سبحانه وتعالى"، وجنته التي عرضها السماوات والأرض، والنعيم الدائم، والسعادة الأبدية، والسَّلامة من عذاب الله، والسَّلامة من جهنم، من النار، ومن سوء الحساب، من الخزي، وفي نفس الوقت ما يتحقق لنا هنا في عاجل هذه الحياة: العزة، الكرامة، الحرية بمفهومها الحقيقي الصحيح السليم، ويتحقق لنا أيضاً: البركات، الخيرات من الله "سبحانه وتعالى"، غايات تتحقق، نتائج مثمرة تتحقق وحتماً بلا شك، إذا اتجه الناس للسير في هذا الصراط.

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، ليست علاقتنا بمنهج الله "سبحانه وتعالى"، ليست علاقتنا بالقرآن مجرد علاقة قراءة، يقول مثلاً: [فاقرؤوه]، وانتهى الأمر، ويكفي ذلك، أو: [فجوِّدوه]، ويكفي ذلك، لا، لا يكفي، هذا هو منهج، مسيرة للحياة، نسير في حياتنا على أساسه، نبني واقع حياتنا في كل المجالات على أساس ما فيه من التعليمات، والهداية، والتوجيهات، ولهذا العلاقة مع القرآن الكريم يجب أن تكون علاقة اتِّباع، أن نتَّبعه؛ لأنه طريق رسمها الله "سبحانه وتعالى"، أن نتَّبعه، واتِّباعاً شاملاً.