بقلم / عبدالرحمن مراد
يبدو أن النظام العالمي الجديد -الذي يعيد بناء نفسه على أسس جديدة، وقواعد جديدة، ومنطلقات جديدة– قد اتخذ من المناورات أُسلُـوباً جديدًا في إدارة العالم، فالنظام القديم كان يدير العالم عن طريق الحقوق والحريات والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان وهي وسائل يبدو أنها فقدت بريقها مع حركة التدخلات العسكرية في منطقة الشرق فشعر بالتناقض بين ما يمارسه في الواقع وبين المبادئ النظرية فكان على بعد حفرة من السقوط، ولم يفكر طويلاً حتى كانت المناورات العسكرية البحرية والبرية والجوية هي الملاذ الأكثر تعبيراً عن حالة القلق والخوف من حركة النشاط العالمي وبزوغ التنين الصيني الذي شكل مع روسيا وإيران ومنظومة الشرق المقاوم للصهيونية وأمريكا تحدياً كَبيراً، فسارع النظام الدولي إلى تنفيذ مناورات متعددة خلال العام المنصرم سواء في سوريا، أَو في البحر المتوسط، أَو في المغرب العربي، ونفذ مناورات في البحر الأحمر، وفي خليج العقبة، وفي مصر وفي بحر الصين الجنوبي، وفي موريتانيا، وفي إسرائيل؛ بهَدفِ مواجهة إيران، ومناورات عسكرية لحلف الناتو وفي البحر الأسود؛ مِن أجلِ مواجهة روسيا، كُـلّ المناورات التي نفذتها أمريكا في العام المنصرم دالة بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام العالمي الجديد يتخذ من الهيمنة العسكرية والتحالفات سبيلاً لفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على الدول وهو أمر يجد معارضة كبيرة من الدول الناشئة التي تعلن وجودها اليوم وتخرج من نطاق الهيمنة الأمريكية حتى تفرض خارطة مصالحها في عالم أصبح يعيد بناء تحالفاته ويرتب تموضعه استجابة للتطورات التي حصلت بعد حركة المجتمعات وتغير الأنظمة في الكثير من الدول.
وبالتأمل في عدد المناورات التي نفذتها أمريكا خلال العام المنصرم وُصُـولاً إلى المناورة التي أشرنا إليها في استهلال المقال نجدها بالعشرات ويبدو أن أمريكا تهدف من خلال المناورات إرسال رسائل إنذار لعدو محتمل قريب أَو بعيد هنا أَو هناك، فالعدد الكبير تجاوز فكرة تبادل الخبرات العسكرية بل بات يهدف إلى إيصال رسالة تثبت قوة التحالفات، وقد أصبحت المناورات العسكرية الأمريكية وسيلة من وسائل السيطرة والهيمنة فهي تدرس ساحات الحروب المحتملة، وتبث رسائل إلى الخصوم الجدد الذين تكاثروا وأحدثوا قلقاً لها بمدى قدرة الجيش الأمريكي على حسم المعارك، في حين تخوض معركة بشكل مباشر أَو غير مباشر في اليمن ولم تحسم معركتها منذ سبعة أعوام.
يبدو أن اليمنَ سوف يشكِّلُ محاورَ ارتكاز مهمةً في المسار العالمي الجديد، وقد بدأت أمريكا وإسرائيل تشعران بتلك المحورية، لذلك جاءت المناورة في البحر الأحمر بذلك الحجم وهي دالة على حجم القلق والخوف، لذلك كان حجم المشاركة والمستوى كَبيراً، والحال يحملُ في طياته التعبير الكامل عن المستوى النفسي والتصور الذهني عن القوة التي تواجهها في اليمن، وهي قوة عقائدية وثقافية ليس أكثر أما التفوق المادي فقد تناثر أشلاء تحت أقدام المجاهدين ولذلك فالرسائل التي تهدف أمريكا إلى إرسالها إلى اليمن بالمناورة البحرية الجديدة في البحر الأحمر غير ذات جدوى وقد قال صمودهم على مدى سبع سنوات رداً بليغاً واضح الأبعاد والغايات، فأهل اليمن لن ترهبهم التقنيات العسكرية الحديثة فقد خبروها وذابت تحت أقدامهم الحافية.
لا مناص لأمريكا من التعايش مع محور المقاومة الإسلامية على قاعدة المصالح المشتركة، أما الغطرسة فلن تجديها شيئاً فالنمو المضطرد لمحور المقاومة الإسلامية، واستعادة روسيا لدورها في النظام العالمي الجديد، وبزوغ نجم الصين، يفصح عن واقع جديد لا بُـدَّ أن تعيه أمريكا ونظامها العالمي الحديد، وتعي تطوراته وتتفاعل معه بشكل أكثر إيجابية.