نوال أحمد
إن مناسبة يوم الولاية الذي نقيمه ونحتفل ونفرح بقدومه أكثر من أية مناسبة أُخرى كونه عيد الله الأكبر والذي يُعرف عندنا “بعيد الغدير” ونحييه كما كان يُحييه آباؤنا وأجدادنا الأوائل في كُـلّ عام من هذا الشهر.
وهي مناسبة لها عُمقها التاريخي والعقائدي والسياسي بالشكل الذي يجعلها أهم مناسبة في حياة الأُمَّــة الإسلامية، كما أنها هي القضية التي تحتاجها الأُمَّــة في كُـلّ زمان ومكان، وهي التي تُمثّل الحلّ والمخرج لهذه الأُمَّــة في عصرنا الحاضر.
هذه المناسبة العظيمة تُعتبَر الآلية التي على أَسَاسها يبنى واقع الأُمَّــة الإسلامية بناءً قرآنياً صحيحاً يجعلها أُمَّـة عظيمة قادرة على أداء المسؤولية التي كُلفَت بها فتكون جاهزة لمواجهة أعدائها بكل أنواعهم وأصنافهم بعيدة عن ظلم الظالمين، وهيمنة المستكبرين، وطغيان المتسلطين.
فمن إحياء هذه المناسبة العظيمة يوم الثامن عشر من ذي الحجّـة بمضمونها وحدثها التاريخي نفهم أنا تمثل حدثاً تاريخيًّا إسلامياً عظيماً ومهماً وأَسَاسياً، وقع أثناء عودة النبي من حجّـة الوداع مع عشرات الآلاف من جموع المسلمين، عندما وقف في وادي «خم»، وهي منطقة بين مكة والمدينة وأقرب ما تكون إلى مكة، بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) بعد نزول هذه الآية المباركة، وفي وقت الظهيرة وقت حرارة الشمس الحارقة في ذلك الوقت أعلن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- لمن تقدم أن يعودوا ليجتمع بهم في ذلك المكان وأنتظر حتى تكامل الجمع، وبعد ذلك رُصّت له أقتاب الإبل ليصعد عاليًا فوقها، لتراه تلك الأُمَّــة شخصيًّا لتشاهده، لتسمعه، لترى يده الطاهرة الشريفة وهي ترفع يد علي ولترى عليًّا أَيْـضاً عليه الصلاة والسلام بشخصه، ومن فوق تلك الأقتاب أعلن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- موضوعاً هاماً، أعلن قضية هامّة هي قضية ولاية أمر هذه الأُمَّــة، حَيثُ خطب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بعد أن صعد وبعد أن رفع يد علي عليهم جميعاً الصلاة والسلام وقال في خطبته العظيمة “يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المسلمين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله”.
موضوع مهم وبالغ الأهميّة، وقضية خطيرة جِـدًّا وضحّها الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- للناس وبلّغهم بها؛ لحرصه على أمته والحفاظ عليها من أن يتولاها الطغاة المستكبرون.
فلو أن الأُمَّــة عادت لمثل هذا اليوم وما قدّم فيه الرسول -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- من بلاغ مبين ومن أسس هامة ومهمة في ولاية أمر هذه الأُمَّــة لما ظُلمت ولما تمكّن المفسدون والطامعون والظلمة والمستكبرون من الهيمنة عليها وإذلالها، ولكن تهاون هذه الأُمَّــة ببلاغ الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في هذا اليوم وعدم التزامهم بالحلول التي قدمها في ذلك اليوم هو السبب الذي جعل الأُمَّــة الإسلامية تعيش اليوم حالة رهيبة من الظلم والاستبداد، بهذا الشكل الذي أصبحت عاجزة عن أداء دورها في التوحد لمواجهة أعدائها الظالمين والمستكبرين من اليهود والنصارى.
إن مبدأ الولاية يشكل الضمانة لحماية الأُمَّــة من أكبر عملية اختراق تعاني منها الأُمَّــة في هذا العصر، إن ما يحصّن هذه الأُمَّــة ويبنيها ويحافظ على كيان الأُمَّــة ليظل كياناً متماسكاً عظيماً وقوياً هو تلك المنظومة من المبادئ والقيم والأخلاق وفي مقدمتها المبادئ الحيوية والمهمة، فمبدأ الولاية هو منظومة متكاملة، هو ارتباط قيمي، ارتباط منهجي، أخلاقي، ارتباط عملي والتزام عملي يحفظ تماسك الأُمَّــة من هذا التفكك والضياع والشتات والتشرذم الذي تعاني منه اليوم.
إن إحياءنا لهذه المناسبة العظيمة هو تجسيد واقتدَاء واتِّباعٌ لذلك الاجتماع التاريخي الذي ترأّسه نبينا الأكرم قبل ألف وأربعمِئة عام، فإحياؤنا لهذه المناسبة واحتفالنا بعيد الغدير الذي هو عيد الله الأكبر إنما هو تجديد للعهد والولاء لله ورسوله والمؤمنين من أعلام الهدى من أمرنا الله بتوليهم، إنما هو حرص على أن يبقى صوت رسول الله عاليًا وليبقى بلاغه وكلماته النيرة مسموعة؛ لأَنَّها حملت لهذه الأُمَّــة مضموناً مهماً وقاعدة وأسس هامة في الدين يترتب عليها مصير الأُمَّــة ألا وهو موضوع الولاية، الذي ينسجم مع انتمائنا للإسلام، ينسجم مع القرآن، ومع هُــوِيَّتنا الإيمانية، وهو الاتّجاه الصحيح الذي فيه الخير لنا، والطريق الذي فيه عزتنا وكرامتنا وقوتنا، ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فَــإنَّ حزب الله هم الغالبون.