محمد الحاضري
حدثان كبيران شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، في أسابيع قليلة، أحدهما عرض عسكري هو الأضخم في اليمن تم الكشف فيه عن منظومات صاروخية متطورة، والحدث الثاني هو أكبر تجمع بشري سنوي للمحتفين بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فللحدثين دلالات ورسائل في ظروف استثنائية تمر بها اليمن.
نبدأ بالحشد المليوني في ميدان السبعين و14 محافظة حرة، يوم 12 ربيع الأول، ففي دلائله أن الهوية الإيمانية للشعب اليمني تتجذر وتتعاظم أكثر وأكثر خصوصا منذ انتصار ثورة الـ ٢١ من سبتمبر 2014 وهو ما يعكسه احتفاؤهم المتصاعد والمتزايد كل عام برمز الأمة الأول وخاتم النبيين والمرسلين نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
مشهد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وخطاب قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، هذا العام الذي دعا فيه قادة الغرب للكف عن الإساءة لله وكتابه ورسوله الخاتم الله وللمسلمين، كما دعاهم للكف عن محاربة القيم، ونشرهم للمفاسد والرذائل وسعيهم لإفساد الشعوب وأن يتأملوا في واقعهم وما نتج عن ذلك من مشاكل رهيبة في كل المجالات، محذرا إياهم من العواقب الوخيمة والعقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة من محاربتهم للأنبياء وتعاليم الله، ناصحا إياهم للتحرر من الصهيونية اليهودية التي سيطرت عليه وأضلتهم واستحكمت سيطرتها عليهم بشكل تام.
وفي هذا الخطاب حذر السيد عبدالملك من مخططات الأعداء وطُرقهم في غزو أبناء الأمه ونشر الانحلال بين مجتمعاتها، معطيا موجهات وإرشادات لحماية الأمة وشبابها ليس من منطلق مذهبي ضيق بل من منطلق إيماني جامع هو نبيها وهويتها الإيمانية، هذا المشهد يوضح بأن اليمن بلد الإيمان والنور في وجه الفساد والانحلال الذي يجتاح العالم.
هذه الحدث الإيماني يأتي بعد عقود من الوصاية الخارجية على اليمن تم خلالها محاولة طمس هويته الإيمانية وتاريخه ورموزه، ونذكر كيف حاربت الوهابية بدعم من السلطة حينها كل ما يربط الأمه بهويتها، حتى بات التوقير والاعتزاز لنبيها بدعة وكفر، واستطاع الاجتياح الوهابي أن يجعل الأمة الإسلامية بلا تاريخ بلا هوية، دينها يهتم بالمظاهر فقط، دين طيع بيد الحكام والمتجبرين يحكمونه كيفما شاؤوا ويطوعونه لأعداء الأمة كيفما أرادوا، حتى بات الأمريكي يتحكم في كل شيء وينهب ثرواتها ويغزوها وقت ما شاء.
واستكمالا لمشهد الإيمان، نعود للعرض العسكري الذي شهده العاصمة قبل أسابيع الذي ضم الآلاف من القوى البشرية المدربة والمؤهلة، وتم الكشف فيه عن أجيال من الطائرات المسيرة والمنظومات الصاروخية المتطورة والتي منها بعيد المدى ومنه أيضا منظومات جوية وبحرية وزوارق لم تكن تمتلكها اليمن من قبل، لا شك أنه سترسم ملامح المواجهة القادمة مع تحالف العدوان الأمريكي السعودي.
هذا العرض كان أشبه بالمعجزة فقد استطاع اليمن بناء وتصنيع أسلحة ضاربة لم يملكها من قبل على الرغم من العدوان والحصار المطبق، في رسالة مخيبة لآمال التحالف فما لم يتمكن من تحقيقه على مدى ثمان سنوات والبلاد كانت في أضعف مراحلها وجيشها مفكك، هو أعجز (التحالف) عن تحقيه فيما بعد.
بل إن الأسواء لا يزال ينتظر التحالف الذي طغى وتجبر وتعنت ورفض حتى إعطاء اليمنيين أدنى حقوهم المتمثل رواتبهم ورفع الحصار، لا شك أن الرد اليمني سيتجاوز الضربات المؤلمة التكتيكية السابقة على المنشئات النفطية في عمق دول العدوان، فكما توعدت صنعاء التحالف فإن المعركة المقبلة ستكون مختلفة وستكون استراتيجية برا وبحرا.
في المجمل يشير المشهد في صنعاء أن اليمن يتهيأ وبقيادته الإيمانية القرآنية ليستعيد دوره التاريخي الحضاري المناصر للإسلام وقضايا أمته، فالحشدان (الشعبي و العسكري) يدللان على أن يمن اليوم ليس يمن الأمس تائه بلا هوية ضعيف بلا قوة بل هو يمن نور الإيمان، بل هو يمن التاريخ يمن الإيمان والحكمة، يمن الألين قلوبا وأفئدة، كما أنه يمن القوة والبأس الشديد، والبركان كما وصفه عميد الصحفيين العرب محمد حسنيين هيكل، الذي إذا انفجر سيلتهم أعداءه وأعداء الأمة، وكما كانت السيوف التي صنعها اليمانيين هي من نصر رسول الله والإسلام في بداية فجر الإسلام، ستكون صواريخ ورجال اليمن هي الحامي للدين والعقيدة السمحة في قابل الأيام.