إذا لم ينفع فيك كل هذا العرض لهذه النعم العظيمة، وهذا التذكير بهذه النعم العظيمة، ولم يكن لأيٍ منها أثره فيك، فهناك الوعيد الشديد؛ لأنك حينئذٍ ستكون في واقع المكذِّب بهذه النعم، المتنكِّر لها.
ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى”: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}[الرحمن: الآية31]، هذا وعيد شديد، إذا لم ينفع فيك التذكير بالنعم، فهناك أيضاً وعيدٌ شديدٌ، وهو وعيدٌ رهيبٌ جدًّا، هذا الوعيد من الله “سبحانه وتعالى” المقتدر، القهار، جبار السماوات والأرض، الذي هو على كل شيءٍ قدير.
وأتى الخطاب في هذا الوعيد: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}، للجن والإنس؛ لأن السورة المباركة، سورة الرحمن- كما قلنا- تخاطب الجن والإنس، ولهذا يقول: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية32]، هنا يقول: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}، هذا وعيد باليوم الآخر، بالحياة الآتية، والتي تَذَكُّرها مهمٌ جدًّا، كعاملٍ رئيسيٍ ومهمٍ في الاستقامة في هذه الحياة.
الله “جلَّ شأنه” عندما أتى بهذا الوعيد الرهيب: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}، وهو “جلَّ شأنه” الذي لا يشغله شأنٌ عن شأن، لا يعني ذلك أنه انشغل عن محاسبة عباده في هذه الدنيا بأشياء أخرى، بتدبير أمور هذا الكون، وهذا العالم، وهذا الملكوت الواسع، لا؛ إنما لأنه جعل مرحلة الحساب، وتوفية الأجور على الأعمال، هي في الآخرة، هي تلك المرحلة القادمة، والحياة الآخرة.
وعندما يقول: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}، عندما تأتي تلك المرحلة، عندما يأتي اليوم الآخر، عندما تأتي القيامة، تتحول المرحلة بكلها إلى مرحلة حساب وجزاء، ويتجه التدبير الإلهي على هذا الأساس لمحاسبتنا.
الله “سبحانه وتعالى” بقدرته، وهو على كل شيءٍ قدير، بعلمه، وهو المحيط بكل شيءٍ علما، {لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران: من الآية5]، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: الآية19]، يعلم بكل ما نعمله، من مثقال ذرةٍ في الخير، أو مثقال ذرةٍ في الشر، لا يخفى عليه شيءٌ مهما كان صغيراً، أو كبيراً، أو كثيراً، أو قليلاً، عندما يتجه بتدبيره “جلَّ شأنه” في مرحلةٍ تصبح بكلها مرحلة حسابٍ وجزاء، فمعناه: أنَّ هذا التدبير الإلهي، وهذا الترتيب الإلهي للحساب والجزاء، سيستوعب كل شيء، وسيحيط بكل شيء، معناه: أنَّ الحساب سيكون دقيقاً جدًّا، حساب دقيق على صغير الأعمال وكبيرها، على القليل والكثير منها، على الصغير مهما صغر، وعلى الكبير مهما كبر، عندما يتجه كل ذلك التدبير الإلهي؛ فعملية الحساب ستكون دقيقة، والترتيبات ستكون مرعبة، وهائلة، ومخيفة جدًّا، ما أصغرك أيها الإنسان عندما تقف وأنت ذلك الكائن الصغير، المخلوق، العبد، الضعيف، أمام كل هذا التدبير الإلهي، أمام كل هذا الحضور في تدبير الله “سبحانه وتعالى”، بعلمه، وقدرته، وإحاطته، وتدقيقه! حالة رهيبة جدًّا، وأمر رهيب جدًّا.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}، والكل سيكون في مقام الضعف، والعجز، والاستسلام التام، من الجن والإنس بكلهم.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، من نعمة الله “سبحانه وتعالى” أن يذكِّرك هنا بما سيكون عليه واقعك في الآخرة، أن يذكِّرنا بهذا الحدث العظيم، بهذا اليوم الرهيب، بهذه المرحلة التي هي قادمةٌ حتماً، وقادمةٌ قريباً، والحديث عن القيامة في القرآن الكريم حديثٌ واسعٌ جدًّا، شمل الكثير من التفاصيل الدقيقة، والأحوال المتنوعة والمختلفة، وفيه الموعظة الكافية، والعبرة الكبيرة، لكل إنسان، فيه ما يوقظ أي إنسانٍ من غفلته إن التفت إلى ذلك، فيه ما يزجر الإنسان، فيه ما يردع الإنسان عن حالة الغفلة والإهمال، والتفريط والتقصير، فيه ما يكون حافزاً للإنسان إلى العمل، بدافع الرجاء فيما عند الله، وبدافع الخوف من عذاب الله “سبحانه وتعالى”.
عندما نجد هذا التعبير، فوراءه أيضاً أحداث كونية كبيرة، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} وراءه أحداث هائلة جدًّا، وسيأتي الحديث عنها، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؛ لأن تكذيبك بالنعم، لأنك عندما لا تشكر هذه النعم، ولا تهتدي، ولا تستجيب لله فيما أنت بحاجةٍ إليه من الهدى، ويكون واقعك واقع المكذِّب؛ فأنت ستصل إلى العذاب، وسيكون واقعك في الآخرة هو واقع الهالك، الخاسر، الخائب، الذي يكون مصيره العذاب الأبدي والعياذ بالله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة السابعة 1442هـ