{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، يتحدث عمَّا أعدَّ الله له في الآخرة، هناك عالم الجنة، عالمٌ متسعٌ جدًّا، الله “جلَّ شأنه” قال عن سعة الجنة، قال في القرآن الكريم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: الآية 133]، سعة هائلة جدًّا، سعة مدهشة، ومسافات ومساحات كبيرة جدًّا، عالمٌ في غاية الاتساع، {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، مثل عالمنا هذا في عرضها، مثل السماوات والأرض، سعة كبيرة جدًّا.
وعالم الجنة بكله- هي كاسمها جنة- لا توجد فيها مساحات مثلاً كبيرة- كما في الدنيا- هي مساحات صحراوية، أو جبال صخرية، أو أماكن ليس فيها نباتات ولا أشجار، عالم الجنة عالمٌ مختلف، مع سعتها الهائلة والمدهشة والمذهلة، هي كلها مغطاةٌ بالنباتات والأنهار، وعالمٌ كله ليس فيه ولا مساحة واحدة، تقول عنها: [مساحة صحراوية، أو مساحة جافة، أو مساحة لا يمكن أن تهنأ بالنظر إليها، أو الحياة فيها].
فذلك العالم المتسع جدًّا جدًّا جدًّا سكَّانه قليل؛ لأن الأغلبية متجهة إلى جهنم والعياذ بالله، أغلبية البشر، هذا أمر مخيف، وأمر مؤسف، وأمر رهيب جدًّا، مقلق، يقلق الإنسان أن يكون من تلك الأغلبية الساحقة التي تتجه إلى جهنم، هناك الازدحام في جهنم، الكثافة السكانية في جهنم، {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ}، يقول الله “سبحانه وتعالى” عندما حذَّر إبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: الآية85]؛ أمَّا في الجنة فسعة هائلة جدًّا، عالمٌ في غاية الاتساع، وقلة من السكان.
داخل هذا العالم العجيب المتسع، يعطي الله لكلٍّ من سكان هذه الجنة، لكلٍّ من أصحاب الجنة، جنات، جنات خاصة به، وهناك عالم الجنة بكله فيه الفواكه، فيه الأنهار، مثلما قال الله “سبحانه وتعالى” عن عالم الجنة: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ}[محمد: من الآية15]، هذا وصفها العام، الوصف العام لعالم الجنة:
فيها من كل الثمرات، حتى فيما هو خارج إطار جناتك، داخل هذه الجنة، داخل ذلك العالم المتسع، المنتزهات، الأماكن العامة، فيها من الثمرات بمختلف أنواعها.
وفيها هذه الأنهار العجيبة:
{أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، ماء نقي، لم يتغير لا طعمه، ليس فيه أي شوائب، في غاية النقاء، والنظافة، والعذوبة، ومستساغ، {غَيْرِ آسِنٍ}، لا يتغير أبداً، لا في طعمه، لا في لونه، لا في مذاقه، لا في رائحته.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}، أنهارٌ من لبن، لبن متدفق بشكل أنهار بيضاء في عالم الجنة، وأنت تتنقل، وأنت تذهب للتنزه والتجول في أنحائها، فتجد أمامك أنهار اللّبن، وتشرب منها، وفي جو ليس ساخناً، ليس حاراً، تقول: [لبن حار]، لا، على أرقى مستوى في مذاقه، ولا يتغير أبداً في طعمه.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، بشكل أنهار في عالم الجنة.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}، حتى العسل، أنهار من العسل المتدفق.
فعندما تتجول، عندما تتنزه، عندما تتنقل في أنحائها للتفرج، والراحة، والابتهاج بمناظرها الجميلة والخلَّابة، أمامك المأكولات من ثمارها، من مختلف أثمارها، وأمامك هذه الأنهار، التي فيها مختلف الأشربة، وهكذا، وغير ذلك كثير، وغير ذلك كثير، كم في القرآن الكريم؟
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الثامنة 1442هـ