مميزات حركة الرسل

مميزات حركة الرسل

فالرسل لم يكونوا يتحركون على أساس رؤية شخصية، اتجاه شخصي، ولا لحسابات شخصية: أنَّه يريد مصالح له، كانوا يقولون- دائمًا- لأقوامهم: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}، لا أريد من وراء تبليغي للرسالة إليكم أي أجر منكم، أي مقابل منكم تعطوني شخصيًا، لا مال، ولا منال، ولا منصب، ولا أي شيء شخصي تقدِّمونه لي كمكافئة على أن أوصلت إليكم الرسالة الإلهية، ولا لحسابات- أيضًا– فئوية، أو شخصية، أو حزبية، أو قومية… يكونون متجرِّدين من كل هذه الاعتبارات، ولهذا- كما نكرر- الإيجابيات عظيمة ومهمة جدًّا للرسالة الإلهية،

هذا لا يوجد خارج إطار رسالة الله -سبحانه وتعالى- اذهب إلى أي رؤية يتبعها البشر في أي بلدٍ هنا أو هناك، قدَّمها لهم رمزٌ معين: زعيمٌ وطني، أو زعيمٌ قومي، أو مفكر، أو فيلسوف، أو منظِّر… أياً كان، أولًا ستكون نتاجًا شخصيًا بحدود قدراته، وستكون متأثرةً بواقعه هو في نفسيته، في اهتماماته، في واقعه بشكلٍ عام، ثم سينظر من منظار معين، البعض ينظر من منظار مصلحة شعبه، أو بلده، أو حزبه، أو قومه، أو عشيرته… أو أي اعتبار، كلها مؤطَّرة، كلها لها حدودها، لها اعتباراتها، أما رسالة الله فهي الوحيدة التي تصلح لأن يلتقي عليها كل البشر، وأن يجتمع عليها كل الناس، هي الصالحة لوحدها أن تكون للناس جميعًا؛ لأن فيها الخير للناس جميعًا، ليست مؤطَّرة بأي أطر تجعل منها مصلحةً شخصيةً لشخص، أو مصلحةً قوميةً لقوم، أو مصلحةً محدودةً بحدود جغرافية، أو بحدود سياسية معينة. |لا|، لها هذه الإيجابية الكبيرة والعظيمة والمهمة.

 

فيأتي الرسول كنعمة من الله -سبحانه وتعالى- برؤية إلهية، يأتي ليتحرك- ضمن مسؤوليته ووظيفته الرئيسية- لهداية الناس بهدى الله، ودعوتهم إلى الله -سبحانه وتعالى- هو قناة وصل مع الله، يوصل إلى الناس التوجيهات الإلهية، ويتحرك بهم على أساسها، يوصل رسالة الله في مضمونها الشامل والكامل: من عقائد، من تشريعات، من حقائق، من… كل ما يتصل بهداية هذا الإنسان، وتربية هذا الإنسان، وتزكية هذا الإنسان، وحياة هذا الإنسان.

 

{رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، فهو يتحرك على هذا الأساس، الآخرون الذين يرتبط بهم البشر ويعتمدون عليهم ويتمسكون بما هو منهم وكبدائل- المصيبة هذه- كبدائل عن الرسالة الإلهية، ليس لديهم هذه الميزة المهمة، الرسول هو فقط يوصل إلى الناس ما هو من الله -سبحانه وتعالى- قناة وصل ما بينهم وبين الله -سبحانه وتعالى- لا يأتي ليستغل الناس لمكاسب شخصية، ولا حزبية، ولا فئوية، ولا قومية… ولا لأي اعتبار، ولا يأتي بنتاجه الشخصي، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)

آيات الله -سبحانه وتعالى- (آيَاتِهِ) في حركة الرسول محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- والكلام هنا يركز عن بعثة الله له كنعمة عظيمة، الآيات المباركة آيات القرآن الكريم، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- لم تكن مسألة تلاوته لآيات الله على الناس كالحالة السائدة الروتينية المعتادة، الحالة السائدة- الآن- لدى الكثير من الناس أنَّ مسألة تلاوة الآيات هي عبارة عن قراءة اعتيادية روتينية، يرغب الكثير أن تكون بصوتٍ حسن، وأحيانًا تتحول مسألة الصوت الحسن إلى مسألة أساسية ورئيسية، (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) لهدايتهم بها، هذه الآيات بما فيها من هدى، بما فيها من نور، بما فيها من بصائر،

بما تصنعه من وعي، بما تصححه من مفاهيم، بما تقدِّمه من تشريعات، من توجيهات، من تعليمات، بما فيها من عقائد، بما فيها من أحكام، بما فيها من بصائر واسعة تمتد إلى شتى شؤون الحياة، إلى كل ما له علاقة بهداية هذا الإنسان، ما يحتاج هذا الإنسان إلى معرفته ليهتدي إلى ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة؛ فلذلك تأتي تلك الآيات لتكون هي- فيما تحمله من: فكرة، ورؤية، وتشريعات، وأحكام- لتكون هي التي يتجه إليها الناس للاهتداء بها، للانتفاع بها، للاستنارة بنورها، يحملون ما تقدِّمه من أفكار لتكون هي البديل عن الأفكار الظلامية، والأطروحات الأخرى التي كانت رائجة في الساحة.

 

الناس لا يبقون في حالةٍ من الفراغ، دائمًا ما تكون لديهم كثير من التصورات، والأفكار، والنظرة، والرؤية تجاه مسائل كثيرة، وهذه حالة كانت قائمة سواءً في الواقع العربي، أو في الواقع العالمي بكله، بقية المجتمعات البشرية لديهم عقائد بدءًا من عقائدهم نحو الله -سبحانه وتعالى- عقائد باطلة كثيرة، وكانت ظاهرة الشرك في مقدمتها، الشرك بالله -سبحانه وتعالى- ثم الكثير من العقائد الباطلة، التصورات الخاطئة، الأفكار الضالة، الكثير والكثير مما هو باطل بشكل عقائد، بشكل رؤية في الحياة، بشكل عادات وتقاليد، بشكل مواقف، بشكل تصرفات وسلوكيات.