سند الصيادي
أثبتت الأيّامُ والوقائعُ والأحداثُ أن حساباتِ المبادئ العظيمة وحساباتِ المصالح (العُليا.. بعيدة المدى) جزءٌ لا يتجزأ، ومن يتحَرّكْ لأحدهما سينتصرْ لكليهما، وليس صحيحاً حساباتُ بعض الأنظمة والكيانات العربية بأن المصلحةَ تفرِضُ التنازُلَ والارتهان، إلَّا إذَا كان سقفُ المصالح لديهم متدنياً وضيِّقاً ودنيئاً.
وعلى خلاف هذه التوليفة من أنظمة العار التي تجثمُ على أوطان وشعوب ومقدَّرات الأُمَّــة، تجلت اليمنُ وَبكافة الحسابات الصحيحة للدنيا وَالآخرة لتقدِّمَ نفسَها نصيراً لأكبر مظلومية حدثت في التاريخ الإنساني المعاصِر والحديث، القضية الفلسطينية الحاضرة والمترسِّخة في منهجية وثورة القرآن منذ نجحت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيد.
تلك الحربُ والمجازرُ الوحشية التي تجري في غزةَ وجميعِ المناطق الفلسطينية المحتلّة وهذا التواطؤ، بل والتحالف الدولي مع الكيان الصهيوني والصمت والخِذلان الأممي أمام مذابح مكشوفة وتصفيات جماعية لشعبٍ بأكملِه، لم تحدث في التاريخ الإنساني الحديث، وبقدر ما آلمتنا فَــإنَّها أفزعتنا وأشَارَت بكل وضوح إلى المصير الذي ينتظرنا جميعاً إذَا ما نحن صمتنا واخترنا أن ندفنَ رؤوسَنا في الرمال.
وَكأيٍّ كائن حي وهب اللهُ له العقلَ والبصيرةَ وَهو يرى ما يحدُثُ لنظيره من ظلمٍ من كائنٍ همجي إجرامي شيطاني -إذَا ما قُدِّرَ له أن ينتصرَ فَــإنَّه لن يتوقفَ عند حدود أَو يشبع له غريزة- فقد أحيت فينا هذه المآسي فطرةَ الحذر وَغريزة النجاة وَحتمية المقاصل إذَا ما نحن بقينا ننتظرُ دورَنا في طابور المسلخ فكيف لا نحرّك ساكناً؟!، وكيف لا يتخذُ قائدُنا القرارَ الصعب، وَهو القائدُ الذي تجاوز كُـلَّ الحسابات المرتعشة منذ وقت مبكر وَمضى مع شعبه في مواجهة أعتى عدوان ممتد من اليمن إلى فلسطين، ولا يزال شعبُ أبي جبريل يسنُدُه بالتأييد والمَدَدِ بتفويضٍ نابِعٍ عن خِبرةٍ وَثقة وَإيمَـان وحكمة؟!
أيها اليمن العظيم بقيادته وشعبه، عزَّزْ وَرَاكِــمْ وَأظهِرْ قوتَك وحضورَك وَمنهجيتك، أخبِرِ العالم أجمعَ أنك من بين الرماد وَمن فوق رؤوس الأذناب المدسوسة في الرمال لم ينحنِ عودُك ولا تتبعثرُ أولوياتُك، بل انطلقت عصياً وَتجليت رقماً فتياً صعباً لا يمكنُ إسقاطُه أَو تجاوُزُه.