طبعًا، في الظروف الحسَّاسة والعصيبة، وأمام الأحداث الضاغطة، يتحرك المنافقون والذين في قلوبهم مرض؛ ليشككوا، ليثبطوا، ليخذلوا، ليرجفوا، يعني: يتوقع الناس منهم- في الظروف الحسَّاسة- أن يحاولوا أن ينشطوا أكثر، وأن يتحركوا في الساحة أكثر بهذه الطريقة السلبية.
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}، يتوجهون إلى الذين يتحركون للقيام بواجبهم، للجهاد في سبيل الله، للمرابطة، من أهل يثرب- يثرب نفس منطقة الأوس والخزرج، نفس المدينة اسمها يثرب- يقولون لهم: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ}، اترك هذا العمل، لا تذهب هناك في المرابطة، ارجع لا تسر منطقة القتال، لا تذهب إلى الجبهة، لا تسر إلى الموقع، ارجع بيتك ولا تتدخل، اهتم بنفسك وأسرتك وحياتك واترك هؤلاء، {لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}[الأحزاب: الآية13]، سعي للهروب والتنصل عن المسؤولية من البعض، وتثبيط واضح، وتخذيل بشكل كبير من البعض الآخر، إلى آخر الآيات، يقول فيها أيضًا: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}[الأحزاب: الآية18]، البعض يشتغل بهذه الطريقة، أمام الأحداث، أمام التحديات والمخاطر التي يتوجب على الأمة أن تتحرك فيها بالموقف الصحيح الذي أمر به الله -سبحانه وتعالى- ويفرضه الانتماء الإيماني، يأتي البعض ليثبط، ليخذل، ليضع العوائق أمام تحرك الآخرين بما يثبطهم به، ويخذلهم به، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}، أقبلوا إلينا، ارجعوا إلينا، اتركوا هم، تعالوا اجلسوا عندنا نتحدث نحن وأنتم ونجلس سواء، واتركوا هؤلاء، {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً}، إن اضطروا في موقف واحد، ويبدل هذا الموقف بكثير وكثير من التثبيط والتخذيل.
إلى أن يقول الله -سبحانه وتعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، رسول الله سيد الجهاد، وسيد المواقف، سيد الثبات، سيد الحق، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: الآية21]، يقول أيضًا: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}، شاهدوا وعاينوا جموع الأعداء وقد وصلت {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، في مقابل أنَّ أولئك قالوا: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}[الأحزاب: من الآية12]، هؤلاء قالوا: {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، ثقة بوعد الله -سبحانه وتعالى- {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}[الأحزاب: الآية22]، سبحان الله كيف أثر الأحداث الإيجابي في نفوس المؤمنين الصادقين، يزدادون إيمانًا ويزدادون تسليمًا.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الثانية بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-