عبدالقوي السباعي
ليس بالأمر الصعب أن تكتُبَ عمّا يدور في خلجات قلبك، عمّا يسبحُ في ثنايا تفكيرك، أن تصوَّرَ واقعةً ما، أن تسرد أحداثَ قضيةٍ عشتها وعايشتها بكل تفاصيلها، لعل الكلمات والجمل ستتوالى من تلقاء نفسها، خُصُوصاً إذَا كنت تمتلك موهبة التصوّر إلى جانب مهارة الكتابة، لكن ليس من السهل أن تكتب موضوعاً عن قصة شهيد.. أن تسرد حكاية سيرته الجهادية.. أن تبرز تفاصيل انطلاقته البطولية، ليس لأَنَّها مهمة صعبة، ولكن لكونها تتعلق بهاماتٍ شامخةٍ مثل هؤلاء الشهداء الأبرار الذين لا يتسع المداد والبياض لتخليد ولو جزء يسير من بطولاتهم ومآثرهم التي خلدها التاريخ قبل أن تحاول تخلدها الأقلام.
في حضرة الشهداء عندما أشاهد تلك الصور، يتبادر إلى مخيلتي لاشعورياً ذلك الموقف المهيب الذي يحكي قصة الشهادة، فحين يرتقي منّا شهيد، وسار في موكبٍ ملائكي وزفافٍ أُسطوري إلى الفوز الأكيد، أشاهد كيف اختلطت الدموعُ بالزغاريد.. التهاني بالتعازي، عندَها لا يبقى لدينا شيءٌ لنقوله؛ لأَنَّه قد لخّص كُـلَّ قصتنا بابتسامته الأنيقة.
في حضرة الشهداء ينتفضُ الحنينُ من ثنايا الصور ومن بين السطور المكتوبة، تتخيلها سطور مليئة بالمواقف المختلفة وهي كذلك، تصاحبها المغامرة والاندفاع.. التضحية والفداء، تمتزج فيها مشاعر الحب والأُخُوَّة.. مشاعر الفرح والصخب.. مشاعر الغضب والحزن، مع سائر الأحداث والمواقف الميدانية في حياة المجاهدين اليومية في مختلف الجبهات والمواقع وفي كافة الظروف، تستطرق تأملاتنا للحظة حول مصير أولئك الشهداء الأخيار الذين أحببناهم وهم بيننا، والذين يجدون في نفس الوقت من يغبطهم لما صاروا إليه من نعمة الخلود الأبدي والفوز العظيم برضوان الله سبحانه وتعالى.
في حضرة الشهداء.. في صورهم.. في قصصهم نستخلص الكثير من الإجابات التي تساعدنا على فهم الأحداث التي حدثت في مسيرتهم الجهادية، بحيث يمكن للجميع من خلال هذه الصور ومن هذه القصص العثور على شيء خاص بهم أَو بالنسبة للبعض منهم، قد تكون زيارتك لروضة الشهداء أَو لمعرضٍ من صورهم أَو قراءة قصة من قصصهم مُجَـرّد إسقاط واجب أَو فُضول أَو هواية بسيطة لدى البعض، لكن بالنسبة لآخرين ستكونُ بمثابة نصيحة وتذكرة ودليلٍ للعمل، فإذا كنت تُحِبُّ أعمال هذا الشهيد أَو ذاك، فيجب عليك العودة مرة أُخرى إلى أعماله.. إلى سيرته.. إلى انطلاقته، يمكنك العثورُ على شيء خاص بك هنا بين ثنايا قصته.
والبعضُ الآخر سيرى هنا معنًى خفياً ودليلاً عمليًّا يمكن أن يسيرَ عليه في حياته، إذَا كنت معتاداً بالفعل على عمل هذا الشهيد أَو غير معتاد، فيجب عليك أن تتحولَ مرةً أُخرى إلى أعماله وإسهاماته، ومن ثَمَّ تعقِدُ اجتماعاً جديدًا مع شخصياتٍ حقيقية تستلهمُ منها القوةَ والإصرارَ والعزةَ والوفاء والصدق والثبات على الحق، تأخذ منهم العبرةَ والحكمة.. فسلامٌ وتحيةٌ تملؤها المحبة والفخر لكل شهيد قدّم روحَه على صراط الحرية والعزة والكرامة.