من رسولِ الله نستمدُّ قُوَّتَنا

من رسولِ الله نستمدُّ قُوَّتَنا

أُمَّـة الملك الخاشب

ومن عزمه وجهاده نستمد عزمنا وجهادنا، ومن بأسه نستمد بأسنا في مواجهة أعدائنا، وارتباطنا به هو سر صمودنا، إن كان هذا العالم يجهل السر فها نحن نكشف لهم السر في صمودنا وتعزيز ثقتنا بالله وبقدراتنا وقوتنا وعقولنا وكوادرنا البشرية.

إنه رسول الله سيد الكونين خير خلق الله، هذا الإنسان ليس إنساناً عادياً أتى برسالة إلهية وانتهى دوره كما يروجون، بل هو أعظم شخصية في تاريخ البشرية ممكن أن يصفها حرف أَو يمتدحها لسان.

الحديث عن شخصية رسول الله ووجوب تعظيمه وتوقيره وإظهار مظاهر الفرح على نعمة الله تعالى بأن أرسله إلى البشرية رحمة للعالمين جميعاً وجاء بلسان عربي مبين، وهذه أَيْـضاً نعمة عظيمة يجب أن نستشعرها جميعنا، وصدقوني أن أعداء النبي يعرفون قيمة إحيَـاء ذكراه بقوة وزخم وإقبال بكل لهف وشوق لسماع أي حديث قد يذكرنا بمناقب وصفات هذا النبي الذي غيّر تاريخ البشرية جمعاء، فنحن في اليمن نتشرف كُـلّ الشرف أن الله أنعم علينا بهذا الشرف العظيم والذي جعلنا من المتصدرين لإحيَـاء ذكرى مولده الشريف حتى أن كَثيراً من الأمم والشعوب تترقب الربيع المحمدي في اليمن، كيف وماذا وأين وكيف سيكون، وما السبب في كُـلّ هذا العشق والارتباط بنبيهم، مع أن هناك شعوبًا إسلامية كثيرة ولكنها لا تفعل ما يفعله اليمانيون؟

منذ الأسبوع الأول في شهر صفر والعالم يتأمل بعمق في أوساط هذا الشعب اليمني الأصيل الشعب الوحيد في العالم الذي يعيش أبناؤه بلا رواتب ويعيشون ظروفًا استثنائية جراء استمرار الحصار المفروض عليهم منذ تسع سنوات، ومعروف أن اليمنيين متنوعين فكرياً، مذهبيًّا وحزبياً، ومع هذا يجمعهم جميعاً حب رسول الله وإغاظة أعداءه بإحيَـاء سيرته العطرة، والتي نستلهم منها معاني الصمود والإباء والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس والعيش في عزة وكرامة رافعين الرؤوس، فالشعب اليمني غني عن التعريف بموروثاته التاريخية ومواقفه المشرفة، ولكن كان فقط ينقصه قائدٌ يلهمُه ويُعيدُه إلى مكانته التي يجب أن تكون بين الأمم حتى يعود للمرتبة الأولى في نصرة الرسالة المحمدية كما فعل أجداده الأنصار، وبفضل الله ومنّه وكرمه أنعم علينا بقائد علم حريص على إصلاح أنفسنا يعلّمنا ويزكيّنا ويسعى؛ لانتشال الأُمَّــة من واقعها المخزي والذليل ولولا وجوده بيننا وقيادته لثورة 21 سبتمبر المباركة، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من قوة وعزة وكرامة، جعلت من أعدائنا يهابوننا ويصلون لقرار آمنوا فيه أن الحسم العسكري والقوة والبلطجة والحصار مستحيل أن يخضعنا ومستحيل أن يعيدنا تحت وصايتهم التي خرجنا من عباءتها في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، فلولا أننا خرجنا من تحت وصايتهم لما استطعنا أن نحتفي بنبينا الأعظم بهذه الصورة المشرفة؛ لأَنَّهم أثناء سيطرتهم على يمننا قبل الثورة كان كُـلّ ما يمت لهُــوِيَّتنا وتاريخنا الإسلامي شبه ممنوع وفي حكم البدعة والضلالة، وكيف أستدل على كلامي هذا بدليل من الواقع فلنقارن بين الوضع في مناطق سيطرة الثورة والمناطق التي لم تصلها روح الثورة ولا تزال محتلّة منكسرة ذليلة.

ما إن يمّر الزائر في شوارع صنعاء وأحياءها وحواريها وأزقتها، وحتى المار بزيارة لأية مدينة في أية محافظة كانت من المحافظات غير المحتلّة والتي يحكمها أبناء الأنصار أبناء ثورة 21 سبتمبر، فلا يستطيع التمييز من أين يرى ذلك النور الذي يشبه الزبرجد ويراه يشع من كُـلّ مكان حوله يمينه ويساره وحتى من فوق رأسه ويرى الظل ينعكس تحت قدميه حتى يصبح حيراناً من أين مصدر كُـلّ هذا الاخضرار الذي يشرح النفوس ويبهجها مثلما يقول علماء النفس، وفي أثناء تفكير الزائر وتساؤلاته تتردّد وهواجسه تطلق لنفسها العنان، ما هذا الذي يراه، هل هو في روض من الجنان، أم هو في مدينة طيبة، أم هو يحلم، أم هذا حقيقة؟ فالجبال مضيئة باسم محمد والأرض تعكس لونها للسماء حتى صارت مخضرة ولم تعد زرقاء كما عرفها!! وفجأة إذَا بأصوات جميلة فيها عبق من روحانيةٍ كان يفتقدها في نفسه تنبعث من هنا وهناك وكلها صلوات محمدية أَو أناشيد تصدح بأصوات منوعة تختلف من هذه الحارة إلى ذلك الحي.. يا إلهي وهنا صوت أمسية وأشبال صغار ينشدون في حب النبي الأكرم الذي هو أحب لليمنيين من آبائهم وأبنائهم، وفي تلك الحارة ندوة في الجامع الموجود فيها، والجميع عن ماذا يتحدثون؟ مَـا هو محورهم الرئيسي؟ إنه نفس الموضوع، إنه في حب سيدهم وحبيب قلوبهم محمد -صلوات الله عليه وآله-، فيشعر ذلك الزائر بأن التاريخ عاد به إلى تلك المشاهد التي كان يراها في المسلسلات التاريخية، يتذكر مشهد استقبال الأنصار لرسول الله وهم يردّدون بكل فرح وشوق ولهفة، طلع البدر علينا من ثنيات الوداع… إلخ، وأثناء تأمله في ذلك يصعد إلى سيارته ويشغلها ويسمع في نفس اللحظة أنشودة من الإذاعة المحلية التي كانت مفتوحة على سيارته وصوت جميل ينشد قائلاً طلع البدر علينا، فلا يتمالك نفسه ولا يتمالك مشاعره الجيّاشة فتنهمر دموع عينيه حباً وشوقاً لرسول الله، ويتمنى في أعماق قلبه أن يعيش هذه الأجواء في مدينته، ولكن أين هي مدينته؟ هل هي يمنية؟ نعم.. فأين يسكن؟ إنه يسكن في محافظة محتلّة محرومة حتى من إظهار أي منظر فرائحي يدل على الابتهاج بهذه المناسبة العظيمة، وهي ميلاد المصطفى العدنان الذي بعثه الله فضلاً ورحمةً لكل العالمين.

فيشعر أن في أعماقه بركاناً يثورُ ويغضب ويريد أن يقتلعَ كُـلّ أُولئك الغزاة والمحتلّين، ويقتلع أذنابهم معهم، وكلّ من سلم محافظاتنا الجنوبية لبراثن الاحتلال، وبينما هو يعقد العزم أن لا يصمت على هذا الوضع المخزي والمذل في بلده يقلب موجات الإذاعة من على سيارته فيسمع لصوت بليغ صادع يلقي خطاباً قوياً ويحتشد أمامه آلاف الجماهير يردّدون الصرخة بصوت ثوري عارم، وفجأة يصادف أن يسمع من هذا القائد كلمات عن حرمان المحافظات المحتلّة من مثل هذه النعمة والفضل والشرف وهي المشاركة في استقبال ذكرى مولد حبيب القلوب وقرة العيون، من يشتاق كُـلّ مسلم أن يراه، ويشعر كأنه لأول مرة يسمع هذا الصوت، برغم أنه قد سمعه كَثيراً، ولكن كانت غشاوةً تحيط به وبسمعه وببصره ولم يكن يبالي، فتتضاعف لديه حالة الحسرة والحزن، ويسأل نفسه رباه أين كنت من كُـلّ هذا؟ ولماذا لم أكن أعرف الحقيقة؟ رباه ما هذا الشعور الذي انتابني فاجتاح كياني وجعلني أشعر أني أبصر النور من جديد، مع إني كنت أظن نفسي مبصراً وأرى، ولكني أيقنت الآن أني كنت أعمى عن الحق، أعمى البصيرة، وهي أشد خطورة من عمى البصر، وبدأت أكتشف السر في صمود أبناء اليمن واعتزازهم بهُــوِيَّتهم الإيمَـانية وعرفت السر في خروجهم بالملايين منهم غضباً على إحراق المصحف الشريف رغم كُـلّ ظروفهم، أدركت لماذا ينتفضون من بين الركام وهم في أوج أوجاعهم بعد قصفهم بالطائرات الحاقدة، ولكنهم يناصرون فلسطين ويحييون يوم القدس، ويسجلون مواقف مشرفة لكل الأُمَّــة الإسلامية، وفهمت لماذا الآن السعوديّ هو من يطلب الوساطة لرضاهم، وكيف تلاشت كُـلّ تهديداته بإبادة قائدهم وأنصاره عن الخارطة اليمنية، وجدت إجابات لتساؤلات كثيرة كنت لا أجد لها جواباً، وأيقنت في قرارة نفسي أن رسول الله -صلوات الله عليه وآله- موجود بينهم بكل منهجه وأثره، لم يغب من حياتهم، وأن الخاسرين هم من حاربوا هؤلاء القوم الذين يستمدون قوتهم وبأسهم من قوة نبيهم وبأسه ومن الآيات القرآنية التي تأمرهم بأن يُعدّوا لعدّوهم ما استطاعوا من قوة ومن سلاح كي يرهبونهم ويخوفونهم، وهذا هو الحاصل اليوم تماماً، فتطوير صناعتهم العسكرية اليمنية فرضت احترام عدوهم لهم ومهابته منهم.

إن السر ارتباطهم بهذا النبي العظيم وتعلقهم الكبير به، من خلال منهجهم القرآني وقائدهم الحيدري الذي استطاع بكل جدارة أن يفرض احترام هذا الشعب على الأصدقاء والأعداء.

فالمختصر أننا كلَّما ارتبطنا بنبينا روحياً أكثرَ أيقنّا أننا لن نُهزم أبداً، وبأن اللهَ لن يخذلَنا؛ لأَنَّنا نصرنا حبيبَه وعظَّمناه؛ استجابةً لتوجيهات الله.