د. فاطمة بخيت
واقع مظلم، نفوس مهزومة منكسرة، ذل وخنوع، قوى مستكبرة تتحكم في مجريات الأمور، أمة تُقاد كالقطيع لسلخها بعد ذبحها، صمت مطبق حيال ما يحدث من انتهاكات، فلا تكاد تسمع أي كلمة أو صوت أو موقف يواجه ذلك الظلم والجبروت، وفي تلك الأثناء من تلك الفترة الزمنية المظلمة أتى ذلك الصوت صادحاً بالحق من تلك البقعة المباركة في هذا البلد الطيب، صارخاً في وجه الظلمة والطغاة، كاسراً حاجز الخوف، محطماً لقيود الذل والهوان، صوت مزلزل يستنهض الأمة لمواجهة الخطر المحدق بها، ليدعوها للعودة إلى جادة الصواب، والتمسك بمنهج الله والعودة إلى كتابه الكريم، للخروج من ذلك المستنقع الذي تكاد تغرق فيه، غير آبه بقوى الشر والضلال والجبروت والطغيان، لثقته الكبيرة بالله وأنّه المهيمن على كل شيء.
انطلق السيد حسين بدرالدين الحوثي –رضوان الله عليه- في تلك الفترة المظلمة من حياة الأمة هادياً ومبشراً ومنذراً لأمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لانتشالها من ذلك الواقع المزري، ومصححاً للكثير من العقائد الباطلة والثقافات المغلوطة التي دُجنت بها الأمة، وحرفتها عن المنهج القويم، شاداً لها نحو الله لتثق به وتتوكل عليه وتتمسك بكتابه، رابطاً بين الواقع وما ورد في كتاب الله بقوله: عين على القرآن وعين على الأحداث. بعد أن سعى الأعداء لفصل الأمة عن القرآن وعطلوا دوره في الحياة، ورسخوا في نفوس الناس أن لا علاقة له بالحياة، حتى يعيش الجميع حياة التخبط والضياع.
ومن خلال تلك الدروس والمحاضرات التنويرية أدرك الناس مدى ابتعادهم عن القرآن ونهج قرناء القرآن، وأن لا نجاة ولا مخرج لهم إلا بالعودة إليهم. وفي الطرف المقابل أدرك الأعداء مدى خطورة المشروع القرآني على مشاريعهم لتدمير الأمة، لذا انطلقوا بكل طاقاتهم وإمكاناتهم الكبيرة والهائلة في ذلك الوقت وبمساعدة السلطة العميلة لمحاربة ذلك المشروع بوحشية وشراسة ليس لها نظير في التاريخ المعاصر، للقضاء على السيد حسين ومن معه من المؤمنين الصادقين، حرب سيخلدها التاريخ في صفحاته السوداء. وبعد شهور من الحرب البربرية الغاشمة والحصار الظالم قتلوا قائد هذه المسيرة المباركة ومن معه من المجاهدين، لقد ظن الأعداء بغبائهم وحماقتهم أن بقتلهم لذلك الرجل القرآني العظيم سيتم القضاء على المشروع القرآني وسيمحى ذكره، لم تدرك عقلياتهم الصغيرة وفكرهم المحدود أنّ من نزّل القرآن قادر على التغلب على أيّ مشروع يناهض مشروع القرآن، فخابوا وخابت مساعيهم، وكلما زادت حربهم ضراوة ضد هذا المشروع، زادت جذوته اتقاداً وسطعت أنواره في أرجاء المعمورة، وزاد المنتمون إليه من مختلف البقاع.
سيبقى هذا المشروع ببقاء القرآن، وسيستمر باستمرار الحياة على هذه الأرض؛ لأنّه لا يتعلق بشخصية معينة، أو أرض معينة، أو جغرافيا بعينها، بل عالمي بعالمية القرآن، وواسع بسعة الحياة وأكثر، وسيفشل وسيخسر وسيخيب كل من يحاربه، وقد أثبت الواقع مصداقية ذلك على مدى السنوات الماضية ومنذ بدء الحرب عليه، فأين قائد هذا المشروع؟ وأين من قاد الحرب عليه؟ رغم الفارق الكبير في العتاد والعدة!
رفع الله ذكره، ومحى ذكرهم، رفع الله شأنه، وحط من شأنهم، وسيبقى في توسع وانتشار وازدهار وانتصار، وسيلتف حوله الموالون والأنصار من مختلف البلدان والأقطار بعون وتأييد الله الواحد القهار.