وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ

يقول الله "سبحانه وتعالى": {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[الأنعام: من الآية152]، بعد أن نهى عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، فلا يقترب الإنسان منه بأي دافع لطمع، أو استغلال حرام، أو نحواً من ذلك، أتى بعد ذلك الأمر بالوفاء بالكيل والميزان بالقسط، بالعدل، حرمة الغش في المعاملة المالية والتجارية والاقتصادية، مما يأتي التأكيد عليه كثيراً في القرآن الكريم، وعن النبي "صلوات الله عليه وعلى آله"؛ لأن المسألة في غاية الأهمية، ومسألة حساسة جداً، الغش في الكيل والميزان؛ لأن الكيل والوزن وسيلة للمعاملة بالعدل، فإذا لعب الإنسان فيها وتعامل فيها بالغش، فهو يسيء إلى معيار من معايير العدالة، ويغش، ومع الاستمرارية كذلك قد يغرق الإنسان ذمته، البعض قد يجعل- بعض أصحاب الدكاكين- الزيادة، سواءً في ميزان، بأي أشكال من أشكال الموازين، في هذا الزمن هناك ميزان بالرقم، هناك موازين بأشكال متنوعة، البعض من أصحاب المحلات التجارية، من أصحاب الدكاكين، أو البقالات، قد يحاول أن تكون الزيادة قليلة، يزيد قليلاً، مع الاستمرارية يغرق ذمته، يغرق ذمته بالمال الحرام، مع الأفضل لك أن تتحرى الدقة في ذلك، حتى لو كان هناك نقص قليل، ولا أن تزيد ولا قليلاً، ولا قليل؛ لأن هذا القليل الذي يكثر يكثر يكثر مع الاستمرار في المعاملة، مع الاستمرار في حركة البيع والشراء، بعد سنوات سيكون بحجم كبير، مع أنك ستسأل على مثقال الذرة، مثقال الذرة من الخير، أو الشر، مكتوب.

فعندما يكون ما يزيد، ولو قليلاً، ولو قليلاً، ثم يستمر ذلك، يستمر يستمر يستمر، وأنت تقول تتهاون وتستبسط المسألة: [هي زيادة قليلة، قد تكون حفنة، قد تكون شيء قليل]، ثم تغالط تغالط باستمرار، متعمداً لذلك، متعمداً لذلك، هذا يحملك وزراً كبيراً، وإثماً عظيماً، الله يريد للمسلمين أن تكون معاملاتهم بمعيار العدل، معاملات قائمة على أساس العدل، لا يكون فيها أي ظلم، الدين المعاملة، وفائدة الدين، هي لاستقامة الحياة، ثم يأتي الجزاء بعد ذلك في الآخرة، وهذه نقطة مهمة جداً، ونرى أهمية هذه المسألة في الاستقرار الاقتصادي والنماء الاقتصادي، إذا ترك الناس الغش، وتعاملوا بأمانة، على مستوى المقادير بأشكالها وأنواعها، سواءً المقدار بالكيل، أو الوزن، الموازين بأنواعها، حتى على مستوى ما يوزن بالكيلو غرام، ما يوزن بالطن، ما يوزن بأي أنواع من الموازين، إذا تعامل الناس بالأمانة في المقادير، وفي الجودة والمواصفات، ولم يستخدموا الغش وسيلةً في المعاملة، وأسلوباً في المعاملة، فستأتيهم من الله البركات في أرزاقهم، وسيعزز هذا حالة الاطمئنان في المعاملة حتى لدى المستهلك، لدى البائع والمشتري، تسود حالة الاطمئنان النفسي والثقة، وهذا مهمٌ جداً- كما قلنا- في الاستقرار الاقتصادي، وفي النماء الاقتصادي، ينتعش الاقتصاد، والناس يتعاملون باطمئنانٍ تام، وثقةٍ، ومع ذلك حتى الزبون زبونك يتعامل معك باطمئنان؛ لأنه جرب معك الأمانة، وعرف فيك الأمانة، يكثر زبائنك، فهذه مسألة مهمة جداً.

والمسلمون بحاجة اليوم إلى أن يعودوا بجدية إلى تصحيح وضعهم في المعاملة الاقتصادية، أصبحت الشهرة في الجودة، أصبحت الشهرة في الأمانة، للمجتمعات غير المسلمة أكثر من المسلمين، وهم حرصوا على ذلك؛ لأنهم أدركوا أهميته في النجاح الاقتصادي، في النماء الاقتصادي، أدركوا أن الجودة، أن الإتقان، أن المقادير الدقيقة، أن المعاملة بدقة، بانضباط، بمواصفات مغرية وجذابة، عاملٌ مهم في النجاح الاقتصادي، فاتجهوا إلى ذلك، واستفادوا من ذلك، لاحظوا على مستوى اليابان، اقترن في الذهنية العامة لدى الناس جودة المنتجات منتجاتهم بنسبتها إليهم، حتى أصبح يتبادر إلى الذهن، ذهن المستهلك الذي يشتري البضائع، عندما تقول عن أي شيء ياباني، أنه أصلي، هم اعتمدوا الجودة معياراً أساسياً في إنتاجهم، فأصبح يتبادر إلى ذهنية المستهلك في أي مجتمع من مجتمعاتنا الإسلامية عن أي منتجٍ ياباني أنه أصلي، فأصبح مقترناً كونه ياباني بكونه أصلي.

 

نحن كمجتمعات مسلمة يجب أن نتفوق على كل المجتمعات الأخرى؛ لأن الحافز عندنا ليس فقط حافزاً اقتصادياً، بدافع فقط النجاح الاقتصادي، وإنما أيضاً هو دافع إيماني، من ضمن التزاماتنا الإيمانية، من ضمن التزاماتنا الدينية، أن نتقي الله "سبحانه وتعالى" فيما ننتجه فنعمل بالأمانة، الأمانة في المقادير، والكميات، وما تحسب به، في كيلٍ، أو وزنٍ، بكل أشكاله، والأمانة في المواصفات، والحذر من الغش في المواصفات، المنتج لأي منتج اقتصادي، أي منتجٍ كان، سواءً وأنت تصدر إلى السوق محاصيلك الزراعية من فواكه أو خضروات، لا تغش لا في المقدار، ولا في الصفة، توجهها بوجه جميل وجذاب، وما تحتها سيء، وتظهر للمشتري أنها كلها على ذلك النحو الذي يرى ظاهرها عليه، فإذا أتت الأمانة، تأتي البركة، والنجاح، وتتعزز الثقة والاطمئنان، وينتعش الجانب الاقتصادي، وهذا يدل على أهمية الجانب الاقتصادي في الإسلام، تأتي فيه تشريعات كثيرة، وذات أهمية كبيرة، والالتزام بها جزءٌ أساسيٌ من الالتزام الديني والإيماني، حتى لقد ورد عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" أنه قال: (الدين المعاملة).

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة المحاضرات الرمضانية، بتاريخ 28 رمضان 1442هـ