ولأهمية هذه المسألة، كانت هي المسألة الرئيسية التي ركَّز عليها القرآن الكريم وهو يعلِّمنا، وهو يوعينا، وهو يهدينا فيما نفهم به طبيعة الخطورة التي علينا من العدو الأمريكي والإسرائيلي، في حديثه عن اليهود، في حديثه عن النصارى، في حديثه عن فريق الشر من داخل اليهود والنصارى، فريق الغدر، فريق المكر، الذي سيشكل الخطورة التاريخية على هذه الأمة إلى آخر أيام الدنيا، فهو يتحدث عن فريقٍ من أهل الكتاب يمثل شراً كبيراً وخطراً رهيباً على هذه الأمة، بطبيعة أساليبه وخطواته ومؤامراته التي تستهدف هذه الأمة للتأثير عليها من داخلها، وتفكيكها من داخلها، واختراقها من داخلها.
فيأتي هذا الشعار، هذا الهتاف، هذه الصرخة بكل ما لها من نتائج، بكل ما لها من آثار، بطبيعة مفرداتها وما تصنعه من وعي، لتسد هذه الثغرة، لتسد حالة الاختراق، لتساعد على عملية التحصين من الداخل، وهذا واضح.
لاحظوا، طبيعة هذه المعركة، لا يكفي فيها موقفٌ رسمي، تطلقه حكومة معينة، ولا موقفٌ نخبوي، تطلقه فئات معينة من أبناء الشعب أو من أبناء الأمة، على مستوى مثلاً أحزاب في موقفها السياسي، أو في تصريحاتها الإعلامية، أو في بياناتها، ولا يكفي فيه أيضاً مواقف محدودة وبسيطة عابرة ومنتهية؛ يتطلب مواقف مستمرة، ومساراتٍ عمليةً مستمرة، يتطلب مساراً توعوياً يصنع الوعي، يعزز الوعي، يقدِّم صورة متكاملة عن الأحداث، عن العدو، وعن أهدافه، عن مؤامراته، ويتطلب أيضاً مساراً عملياً يحرِّك الأمة في خطوات عملية في كل المجالات، ويتطلب أن يكون الجميع في هذا الموقف، ضمن هذا التحرك، ضمن هذه المسيرة في مواجهتهم لهذا الخطر، لا يكفي أن يتحرك فيه النخب، ولا أن يكون فيه فقط الجانب الرسمي في مواقف محدودة؛ لأنه يتجه إلى الجميع، طبيعة الأنشطة التي يتحرك فيها أعداء الأمة هي تستهدف الجميع بلا استثناء، هي تستهدفنا كأمةٍ مسلمة على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي، وعلى المستوى النخبوي وعلى المستوى العام، هي تستهدفنا رجالاً ونساءً، وكباراً وصغاراً، هي تستهدف المثقف، وتستهدف العالم الديني، وتستهدف الإنسان العادي والعامي، وتستهدف الكبير، وتستهدف الصغير، وتستهدف الرجل، وتستهدف المرأة، مشروع واسع يتحرك فيه العدو، يستهدفنا في كل المجالات: يستهدفنا ثقافياً، وفكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً، لا يدع مجالاً إلَّا ويتحرك فيه، وفق سياسات وخطوات مرسومة ومحددة ومدروسة.
في ظل توجهٍ كهذا، كيف نجعل من الجميع منا كأمة في موقع المسؤولية؟ كيف نقدِّم مشروعاً يتيح لكل فردٍ من أبناء الأمة أن يكون في موقع المسؤولية، وأن يكون في الموقع الذي يحظى فيه بالتحصن من هذا الخطر، بما يحميه من هذا الاستهداف، يحميه على المستوى الفكري، يحميه على المستوى الثقافي، يحميه على المستوى الاقتصادي، يحميه على المستوى العسكري، على المستوى الأمني؟ وكيف نحرِّك كل طاقة الأمة في كل أبنائها ومن كل أبنائها لتكون حاضرةً على المستوى التعبوي للتصدي لهذا الخطر الشامل؟ أليست هذه هي الحكمة؟ أليس هذا هو الصحيح؟ أم أننا نفترض كما يقدِّر البعض ويتصور البعض الذين لم يتعاملوا مع هذه المسألة بكلها كما ينبغي، لم يعطوها ما تستحق من الاهتمام، من الدراسة، من التفهم، من التركيز، من النظرة الصحيحة والموضوعية، فهم يتصورون ألَّا داعي لهذا الضجيج، دعوا الناس، اتركوهم، ثم تبقى هذه المسألة إمَّا في الإطار الرسمي فقط للحكومات، تحدد في هذه المسألة ما تشاؤه وتريده من المواقف والسياسات، أو أن يبقى كذلك موقفاً نخبوياً على مستوى النخب السياسية، أو النخب الأكاديمية، في إطار ندوات محدودة، أو مؤتمرات محدودة، أو بيانات محدودة، ثم تترك الشعوب، ثم تترك الأمة، ثم تهمل جماهير الأمة، لتبقى فريسةً لهذا الاستهداف الذي يركِّز عليها على المستوى التوعوي، على مستوى الثقافة والفكر والرؤية، ثم تبقى عرضةً للاستقطاب في الجانب العملي، ثم تستهدف بشكلٍ رهيبٍ وواسع وتحت عناوين مخادعة، تحت عناوين قد لا يأبه الكثير من أبناء الأمة أنَّ حقيقة الأمر فيها هو تقديم أعمال، أو تبني سياسات أو مواقف، أو تحرك في مسارات تخدم- في حقيقة الأمر- أمريكا، أو تحقق- في حقيقة الأمر- مصالح لإسرائيل، يتجه تحت عنوان: إما عنوان طائفي، إما عنوان سياسي، إما عنوان ثقافي، إما عنوان… كم هناك من عناوين يمكن أن تحرك بها أمريكا الكثير من أبناء الأمة، من خلال أدوات من داخل الأمة: حكومات معينة، أنظمة معينة، تيارات معينة، أحزاب معينة، شخصيات معينة، تعطي لهم عنواناً، هذا العنوان يتحركون فيه بما يحقق مصلحة لأمريكا، مصلحة لإسرائيل، خدمةً للأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وكم سيتجند تحت كل عنوان من العناوين، هم يدرسون العناوين التي يمكن أن تشد البعض من أبناء الأمة، التي يمكن أن تحرك البعض من جماهير الأمة، وحينها يتحرك تحت ذلك العنوان تحركاً واسعاً الكثير من الناس المغفلين، من يتحرك إعلامياً، من يتحرك عسكرياً، من يتحرك ليقدم المال، من يتحرك ليقاتل، من يتحرك على مستوى واسع، وهذا ما يحصل لكثيرٍ من أبناء الأمة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة 1441هـ